الأحد، 31 ديسمبر 2017

نظرية تشيزري لومبروزو في علم الإجرام

الفقيه شيزاري لومبروزو (1836-1909)، هاد الفقيه خدم كطبيب للأمراض العقلية وأستاذ للطب الشرعي والعصبي بالجامعات الإيطالية وخدم حتى فالجيش الإيطالي كطبيب وأيضا أستاذ بجامعة بافيا وجامعة تورينو للطب الشرعي ...مهم هاد المهام الطبية لي دارها مكنته من دراسة جسم الإنسان وتشريح أعضاء أجسام المجرمين وغير المجرمين ومن خلال الخبرة الطويلة  وصل لواحد النتيجة المفاد منها ان المجرم يتميز بخلقة خاصة تجعله يختلف على الإنسان السوي ، فالمجرم حسب الفقيه لومبروزا كيرتكب الجريمة بسبب التكوين ديالو النفسي والبدني، ومن خلال الأبحاث العامة والمعمقة وصل لمبدأ 《مبدأ_حتمية_وقوع_الجريمة》 ومن خلال تجاربه العامة والمعرفة  التي فحص فيها حوالي 5907 من المجرمين سوف نقف هنا  عند ثلاث حالات منها : 《فيليلا》 و《 فيرزني》 والعسكري《 مسديا》 وهاد العسكري كان مريض بالصرع ، وبعد فحص الجثة لي فيليلا اكتشف  عندهو  فراغ في مؤخرة الجبهة ديالو أي فوق العنق وقال أنه كان شبيه بالقردة تماما وكذالك كان خفيف الحركة وكثر الضحك والإستثمار بالناس ، أما المجرم فيرزني كان كيقتل الإناث وكيشرب دمهم بطريقة وحشية الله يحفظ ومن خلال الفحص لي جراه عليه هاد الفقيه قال بلي كان كيتصف ببعض الخصائص التشريحية للإنسان البدائي، أما بالنسبة للعسكري مسديا فقد توصل هاد الفقيه بعد فحصه أن نوبة الصرع لي مرض بها هاد العسكري وكيرتكب بها الجرائم هي وراثية وأن السلوك ديالو وحشي وحيواني واستنتج في الأخير أن العلاقة بين الإجرام والصرع هي علاقة متينة ومزيانة بزااف وبالتالي قال بلي هاد النوع ديال المجرمين يمكن لينا نصنفهم ضمن خانة المجرم الفطري او بالميلاد من الناحية العضوية أما من الناحية النفسية للمجرم لاحظ لومبروزو أنه كيتمثل فداك الوشم وداك التواشة لي كيديرهم على الجسد ديالو داك ساعة كيبقى يحس براسو واعر ومجهد .
والملاحظة لي يمكن لينا نسنتجوها من هاد النظرية هي أنه ماشي أي واحد بدائي راه متوحش وماشي أي واحد معندوش خلقة سوية وعندو ملامح وحشية راه مجرم .

ضمانات المحاكمة العادلة في القانون الجنائي والمسطرة الجنائية

 القانون الجنائي والمسطرة الجنائية
معلوم أن قانون المسطرة الجنائية أو قانون الإجراءات الجنائية يهتم بمستويات ثلاث : البحث عن مرتكب الجريمة – الحكم عليه، ثم تنفيذ العقوبة المحكوم بها . وبهذا المعنى، فإن المسطرة الجنائية هي التي تمنح الحياة للقانون الجنائي الذي إن وجد، فإن تطبيقه يحتاج إلى إجراءات ومساطر ومؤسسات تنظمها المسطرة الجنائية . وهي في كل ذلك، تعمل لتحقيق معادلة أساسية في تحقيق العدالة : ضمان حقوق المجتمع في إنزال العقاب المناسب على المجرم بشكل يحقق الردع الخاص والردع العام من جهة، ومن جهة ثانية ضمان حقوق الفرد الذي وإن اتهم بارتكاب جريمة، إلا أنه يبقى بريئا إلى أن تثبت إدانته بحكم نهائي مع ما يقتضيه ذلك من حمايته من التعسفات وضمان حقوقه في كل المراحل. وقد شكل تحقيق هذه المعادلة على الوجه المطلوب تحديا دائما لكل المجتمعات عبر أنظمتها القانونية لضمان ذلك التوازن الحكيم بين الفعالية في ضبط الجريمة ومعاقبة مرتكبيها وحماية الفرد وضمان حقوقه.
وعلى أساس هذه المعادلة، انقسمت الأنظمة القانونية للمسطرة الجنائية وتطورت بين النظام التحقيقي والنظام الاتهامي، ثم إلى المزج بينهما .
فإذا كان النظام التحقيقي يتسم بإهمال دور الضحية في الدعوى وبالمبالغة في السرية أثناء إنجاز الإجراءات منذ اللحظات الأولى للتعاطي مع مرتكب الفعل أو المشتبه فيه، مما يفتح الباب أمام الخروقات والتعسفات في حقه، فإن النظام الاتهامي على عكس ذلك، يتميز بضمانات أكبر تميزها خاصة العلنية والشفاهية وبوضع متميز للمتضرر الذي يضعه هذا النظام في موقع الخصم للمتهم يكون له دور في كل مراحل الدعوى .
وبذلك اعتبر هذا النظام – وهو المعتمد في غالبية القضاء الأنكلوسكسوني – اعتبر أكثر ضمانا لتحقيق المعادلة السابقة وأكثر حماية وتحقيقا للحقوق والحريات .
و قد عمد المشرع المغربي مثل كثير من الدول الأخرى، إلى اعتماد نظام مختلط في قانون المسطرة الجنائية الحالي، إذ مزج بين النظام الاتهامي بما يتيحه من علنية وشفاهية وبوضع متميز للضحية، وبين النظام التحقيقي باعتماده على السرية وعدم منح الضحية إمكانيات أكبر في سير الدعوى.
فهل حافظ مشروع المسطرة المطروح للنقاش على الخاصيات نفسها، أم أنه اختار الرجوع أكثر إلى النظام التحقيقي ؟.
نشير بداية إلى أنه وإن كانت مناقشة المسطرة الجنائية تتم عادة وفق المبادئ العامة للعدالة الجنائية ومقتضيات ومبادئ حقوق الإنسان، فإن مناقشة المشروع الحالي، ينبغي أن تتم فضلا عما ذكر مراعية للسياق الذي يأتي فيه هذا المشروع والمتسم أساسا بـ :
أولا : مرور أزيد من عقد على تطبيق القانون الحالي .
مرور أزيد من عقد من الزمن على تطبيق القانون الحالي للمسطرة الجنائية وهي مدة كافية لإخضاعه للتقييم.
حيث اتضح فعلا أنه لا يمثل مطمح المهنيين ومجموع الحقوقيين في توفير شروط المحاكمة العادلة وما يليها من تنفيذ للعقوبات. وهكذا بقيت المحاكمات تتم على أساس محاضر الضابطة القضائية بحجية شبه مطلقة وسلطات واسعة للنيابة العامة وقضاء للتحقيق غير فعال ولا تأثير له على سير المسطرة، مما طرح السؤال عن ضرورة وجوده أصلا.
أما مؤسسة الصلح بين الخصوم التي أفرد لها هذا القانون حيزا مهما، فقد ظلت مجمدة ولم تفعلها النيابة العامة، ما جعل المحاكم تغرق في عشرات الآلاف من الملفات التي كان يمكن إنهاؤها بالصلح أمام النيابة العامة، مع ما يترتب على ذلك من ضياع للوقت والجهد والمال والتأثير على جودة الأحكام .
ورغم أن ديباجة القانون الحالي اعتبرت أن من مستجدات هذا القانون وضع بدائل للاعتقال الاحتياطي، إلا أن الممارسة أبانت عن عدم وجود أية بدائل، وإن الاعتقال الاحتياطي ظل ثابتا في ممارسة النيابة العامة لسلطاتها، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على الوضعية السيئة للسجون نتيجة اكتظاظها بالمعتقلين احتياطيا (حوالي نصف نزلاء السجون معتقلين احتياطيا – أنظر تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الموضوع - ) .
مما يحول دون أداء المؤسسة السجنية لوظائفها في الإصلاح والتهذيب و يجعل النزلاء محرومين من كثير من الحقوق المضمونة لهم بالقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة .
كما اتسم تطبيق هذا القانون بعدم التوازن بين المتهم والضحية الذي ظل موقعه هامشيا ولا يحظى بأية حماية. كما أن وضعيته في مرحلة المحاكمة وما بعدها ظلت ضعيفة .
ورغم النقاشات التي سبقت وضع القانون الحالي بخصوص نظام الامتياز القضائي وأنه يكرس الإفلات من العقاب الأمر الذي لم يعد مقبولا في المغرب الراهن، إلا أن هذا القانون كرس هذا النظام نصا وتطبيقا.
تلكم إذن بعض ملامح القانون الحالي للمسطرة الجنائية على ضوء تطبيقه خلال أزيد من عقد من الزمن، والتي كانت وراء التفكير في تعديله إضافة إلى اعتبارات أخرى .
ثانيا : دستور 2011
صدور دستور يوليوز 2011 والذي جاء كصك للحقوق مكرسا لكثير من المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، خاصة بدعمه لاستقلال القضاء وجعله سلطة مستقلة خصها بباب خاص (الباب السابع : السلطة القضائية –استقلال القضاء ) وجعل الملك هو الضامن لتلك الاستقلالية، بل إن تصدير الدستور جعل من مرتكزات الدولة : الحكامة الجيدة وإرساء مجتمع يتمتع فيه الجميع بالكرامة والمساواة مؤكدا تشبث المغرب بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء .
ونص الدستور صراحة على أن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان وأن الاعتقال التعسفي أو السري من أخطر الجرائم وتعرض مرتكبيها لأقسى العقوبات. وجعل التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد جريمة يعاقب عليها القانون وأنه لا يجوز لأحد أن يعامل الغير – تحت أي ذريعة – معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
بعد أن كان الدستور السابق يجعل أعضاء الحكومة يحاكمون أمام المحكمة العليا، فإن الدستور الحالي نص على أن أعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة عما يرتكبون من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم. إذن في ظل هذا الدستور الذي جاء ناصا على كل هذه المبادئ والضمانات، يطرح اليوم مشروع قانون المسطرة الجنائية ، فهل تمثل واضع المشروع تلك المبادئ والضمانات الدستورية ؟ .
ثالثا : تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة
مشروع قانون المسطرة الجنائية يأتي بعد تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة التي أنهت أشغالها في نونبر 2005 وقدمت تقريرها الختامي للملك الذي أشاد في خطابه بتاريخ سادس يناير 2006 « بالجهود المخلصة للهيأة رئاسة وأعضاء» وكلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتفعيل توصياتها ودعا كافة السلطات العمومية إلى التعاون المثمر مع المجلس .
وقد هم جزء من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة المؤسسة القضائية، وتحديدا العدالة الجنائية التي تعتبر المسطرة الجنائية أحد عناصرها.
وفي هذا السياق، وبقدر ما اهتمت توصيات الهيأة بمبدأ البراءة كأصل ومبدأ الشرعية والكرامة، اهتمت بمبدأ المساواة أمام القضاء. ولا شك أن ذلك يعني مباشرة إلغاء أي نظام للامتياز من شأنه التفريق بين المتقاضين أمام المحاكم. ومن تم ينبغي حذف نظام الامتياز القضائي .
وهو ما جاء صراحة في دراسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول ملاءمة المسطرة الجنائية مع مبادئ حقوق الإنسان، والتي أعدها الأستاذ محمد الإدريسي العلمي المشيشي لفائدة المجلس .
وإذا كان دستور 2011 جسد تلك التوصية المتعلقة بالمساواة من خلال إلغاء المحكمة العليا ، فكيف تعاطى مشروع المسطرة الجنائية مع الأمر؟
رابعا : ميثاق إصلاح منظومة العدالة .
المشروع الحالي للمسطرة الجنائية هو أول قانون مهم تطرحه وزارة العدل بعد صدور ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي أشرفت عليه الوزارة ذاتها .
وضمن هذا الميثاق أعلن أعضاء الهيأة العليا للحوار الوطني – التي أعدت الميثاق – أنهم يقترحون على وجه الخصوص التوجيهات الجوهرية التالية:
« ... -6- إعادة النظر في آليات وشروط اشتغال الضابطة القضائية مع مزيد من تفعيل مراقبتها من طرف النيابة العامة».
وخصص الميثاق الهدف الفرعي الرابع لـ «تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة»، وذلك من خلال :
- مراجعة الضوابط القانونية لوضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية وذلك باعتماد معايير أكثر دقة ووضوح .
وتعزيز مراقبة النيابة العامة لمدى تمتع المشتبه فيهم بحقوقهم، سيما بالمساعدة القانونية والقضائية خلال مرحلة البحث التمهيدي وتقوية مراقبتها لمدى احترام كرامة وإنسانية الأشخاص المستجوبين أثناء فترة الوضع تحت الحراسة النظرية .
وترشيد الاعتقال الاحتياطي من خلال إخضاعه لضوابط واضحة ومحددة وعدم اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة وتقليص مدده وتقليل القرارات المتعلقة به مع العمل على جعل هذه القرارات قابلة للطعن أمام جهة قضائية بشروط يحددها القانون .
هذا بعض مما انتهى إليه الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة وما اقترحته الهيأة العليا.
و بالنظر إلى الأهمية التي أعطيت لذلك الحوار على كافة المستويات، فإنه يفترض أن تترجم توصياته ومقترحاته فيما يصدر بعدة من قوانين .
فهل كان الأمر كذلك بالنسبة لمشروع المسطرة الجنائية، أي هل وجدت تلك التوصيات والمقترحات أي صدى لها في مشروع هذا القانون ؟
تلكم أربع مرجعيات، اعتبرنا استحضارها ضروريا في قراءة المشروع الجديد للمسطرة الجنائية، إضافة إلى مرجعيات أخرى يمكن اعتمادها .
وعلى ضوء ذلك، يمكن الوقوف على الكثير من التعديلات التي جاء بها المشروع ومست شروط المحاكمة العادلة، بل أكثر من ذلك عموم الحقوق والحريات، أو التي كان منتظرا من المشروع أن يأتي بها بعد طول انتظار للمهنيين، بالنظر إلى التطورات العامة التي حدثت بالبلد خلال العقد الأخير، خاصة على المستوى الحقوقي .
وفي ضوء كل ذلك، نقف عبر بعض ما جاء به المشروع مركزين على ثلاثة جوانب نعتبرها مهمة، ولها تأثير مباشر وكبير ليس فقط على المحاكمة العادلة، بل تطول منظومة حقوق الإنسان ككل .
ويتعلق الأمر بثلاثة أنظمة : نظام الاختراق، نظام الامتياز القضائي، نظام الاشتباه .
1- نظام الاختراق :
يعتبر نظام الاختراق جديدا في قانون المسطرة الجنائية المغربي، إذ لم يسبق أن تم العمل به ، والمسطرة الجنائية الحالية كانت قد اكتفت بتنظيم المكالمات والاتصالات الهاتفية المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد ( المواد 108 إلى 116 ) في إطار إجراءات البحث دون أن تتجاوز ذلك إلى ما هو أكثر، علما بأن أسلوب التقاط المكالمات ( التنصت) هو نفسه مطعون فيه ومخالف لمبادئ حقوق الإنسان خاصة الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 12 التي نصت على أنه «لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة ... أو مراسلاته ...» والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 17 التي نصت على أنه «لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل في خصوصياته أو ... ، مراسلاته ... «.
و الدستور الحالي نص في الفصل 24 على أنه « لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة «.
لكن مشروع المسطرة الجنائية لم يقف فقط عند التنصت والتقاط المكالمات الذي كرسه كما هو في المسطرة الحالية، بل تجاوز ذلك إلى وضع نظام للاختراق في إطار البحث عن الجريمة ومرتكبيها، وقد جاء ذلك في الباب الثالث من المشروع الذي سماه « تقنيات البحث الخاصة «، الفرع الثاني: الاختراق ، المواد 11-82 و ما بعد ...》

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017

دور القضاء في تطبيق نصوص مدونة الأسرة المغربية

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمــــــــة:
 تعتبر مدونة الأسرة مكسبا وطنيا حقيقيا كمحصلة لنقاش وطني ساهم فيه الجميع،من علماء شريعة وعلماء اجتماع وحقوقيين وحركات نسائية ومجتمع مدني، وذلك بعد سجال سياسي وفقهي حسمه جلالة الملك في خطابه التاريخي الذي ألقاه بتاريخ 10 أكتوبر 2003 أمام البرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة حين قال:"لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله أو أحرم ما أحله" منبها بذلك على الروح التوافقية التي ينبغي أن تصاغ بها نصوص المدونة بطريقة تنسجم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية ،وتتلاءم مع الانفتاح على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان.
لقد قطع المشرع المغربي أشواطا طويلة في إعادة هيكلة مضمون وصياغة المدونة انطلاقا من مدونة 1957 مرورا بتعديلات 1993 ووصولا إلى مدونة الأسرة الجديدة، ونظرا للأهمية البالغة للأسرة باعتبارها الخلية الأساسية والأولى للمجتمع، فإن القضاء يجب أن يقوم بدوره الكامل في التطبيق السليم لمقتضيات هذه المدونة التي خولت له سلطة تقدير واسعة يتأتى له من خلالها مراعاة الظروف الخاصة بكل قضية وتحقيق العدل والإنصاف بين كافة أفراد الأسرة ، والحرص على تحقيق المصالحة بين أعضائها كلما أمكن ذلك،والقاضي من هذا المنطلق يعمل كحكم ومصلح، فبسعة معرفته وطول نفسه وصبره يمكنه إصلاح ذات البين وبتر كل أسباب الخلاف بين الزوجين، بل أصبح من واجبه تقصي مصلحة الطفل ومراعاتها متى كان للدعوى مساس بوضعيته وحقوقه في الحضانة والنسب والنفقة والنيابة الشرعية، والإسراع في البت في كل ما يحقق ذلك،كما توسع الدور المنوط بالنيابة العامة خاصة فيما يرجع لمساعدة كل طرف مست حقوقه المادية والمعنوية.
وقد أنشئ في كل محكمة ابتدائية قسم خاص يسمى "قضاء الأسرة"، ينظر في كل ما يتعلق بقضايا الأسرة من زواج وطلاق ونفقة وإرث ونيابة قانونية وحجر ونسب، وأصبحت قضايا الأسرة موزعة  بين هذا القسم (قسم قضاء الأسرة)، وقسم التوثيق وإن كان عمل هذا الأخير أصبح يتسم بالصبغة الإدارية أكثر منه بالصبغة القضائية، لأنه لا يفصل في النزاع.
ولعل ما دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع البسيط في عنوانه والمترامي الأطراف في مضمونه، هو توضيح مختلف الاختصاصات التي تضطلع بها أقسام قضاء الأسرة بجميع مكوناتها، وذلك اعتبارا لجهل الكثير لهذه الصلاحيات، خصوصا وأن عموم الناس لا يعرفون سوى قاضي التوثيق أو قاضي شؤون القاصرين، باعتبارهما إرث المدونة السابقة، جاهلين بذلك تماما المكونات الجديدة لهذا القضاء كالقاضي المكلف بالزواج والقضاء الجماعي وغيرهم.
 فماهي اختصاصات هذا القضاء إذن؟ وماهي مختلف تدخلاته في القضايا التي تهم الأسرة؟ وأين يتجلى دوره في حماية الأسرة وخدمة المجتمع ؟ وما هي المثبطات التي يمكن أن تعترض عزيمته ؟ وكيف السبيل إلى تجاوزها واستشراف آفاق أرحب لممارسة هذا القضاء لصلاحياته بشكل أكثر جدوى وفعالية؟


المبحث الأول : صلاحيات قضاء الحكم في قضايا الأسرة والصعوبات التي تعترضه

سنتناول في هذا المبحث صلاحيات قضاء الحكم (المطلب الأول)، ومختلف الصعوبات التي تواجه هذا القضاء في عمله داخل قضاء الأسرة (المطلب الثاني).

المطلب الأول: اختصاصات قضاء الحكم في قضايا الأسرة

 أشار القانون 03/73 المعدل للتنظيم القضائي لاختصاصات قسم قضاء الأسرة، حيث قضى بأن أقسام قضاء الأسرة تنظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث و الحالة المدنية وشؤون القاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية و حماية الأسرة.
غير أن هذا القانون تعرض لاختصاصات هذا القسم بشكل عام، مما يتعين علينا تفصيل ذلك من خلال اختصاصات الهيئة الثلاثية أي اختصاصات القضاء الجماعي ( الفقرة الأولى )، ثم استجلاء اختصاصات القضاء الفردي (الفقرة الثانية ) بعد ذلك.

  الفقرة الأولى: اختصاصات القضاء الجماعي

يمكن القول بأن مدونة الأسرة أعطت اختصاصات واسعة للقضاء الجماعي، شملت مواد عديدة من المدونة لعل أهمها:
- فيما يخص الزواج : تختص المحكمة بسماع دعوى الزوجية (المادة 16 من مدونة الأسرة)، و إعطاء الإذن بالتعدد عند توفر شروطه ( المادة 41 )، وإعفاء أحد الأطراف من الشروط أو تعديلها إذا أصبح تنفيذها العيني مرهقا بسبب ظروف أو وقائع طارئة (المادة 48 )، والتصريح ببطلان الزواج إذا تحققت شروط ذلك (المادة 58 ) .
- فيما يخص الطلاق : تختص الهيئة الثلاثية بالإذن بالإشهاد على الطلاق لدى عدلين منتصبين (المادة 75)    و انتداب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين (المادة 82) بالإضافة  إلى تحديد مبلغ يودعه الزوج بكتابة ضبط المحكمة داخل أجل أقصاه ثلاثون يوما في حالة  فشل الإصلاح بين الزوجين  (المادة 83)، كما يختص القضاء الجماعي في الإذن بالإشهاد على الطلاق في حالة تمليك الزوج زوجته حق إيقاع الطلاق (المادة 89 ) .
- فيما يخص التطليق  تحكم الهيئة الثلاثية بالتطليق، بطلب أحد الزوجين بسبب الشقاق، في حالة تعذر إصلاح ذات البين بينهما واستمرار الشقاق (المادة 97 )، كما تلزم هذه الهيئة بالبت في دعاوى التطليق المؤسسة على أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98، باستثناء حالة الغيبة، داخل أجل ستة أشهر.
فيما يخص عدة الحامل: فمن اختصاص القضاء الجماعي تقرير استمرار العدة أو انتهائها بالاستعانة بذوي الاختصاص من الخبراء للتأكد من الحمل و فترة حدوثه ( المادة 134 ). فيما يخص الحضانة: يدخل في اختصاص القضاء الجماعي تقدير تكاليف سكنى المحضون المستقلة  عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما ( المادة 168)، ثم إعادة النظر في الحضانة إذا  كان ذلك في مصلحة المحضون ( المادة 170 )، فضلا عن إقرار إسناد الحضانة لأحد الأقارب  الأكثر أهلية في حالة تعذر إسنادها للأم أو الأب أو لأم الأم ( المادة 171 )، كما لها الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجيات الضرورية المادية والمعنوية (المادة 172). فيما يخص النفقة: يختص القضاء الجماعي في تقدير النفقة، والبت  فيها داخل أجل شهر واحد (المادة 190) وتحديد وسائل تنفيذ الحكم بالنفقة، وتكاليف  السكنى على أموال المحكوم عليه، أو اقتطاع النفقة من منبع الريع والأجر الذي  يتقاضاه الزوج (المادة 191) . فيما يخص الحجر: يطلب القضاء الجماعي إقرار الحجر أو رفعه اعتمادا على خبرة طبية وعلى وسائل الإثبات الشرعية (المادة 191). فيما يخص النيابة الشرعية : تقوم الهيئة بتعيين مقدم إلى جانب الوصي لمساعدته أو للإدارة المستقلة لبعض المصالح المالية للقاصر ( المادة 234)، واتخاذ الإجراءات الملائمة للمحافظة على أموال المحجور ومصالحه المادية  والمعنوية (المادة 243)، وتحديد أجرة الوصي أو المقدم عن أعباء النيابة الشرعية (المادة 264)، ثم إعفاء الوصي أو المقدم في حالة إخلاله بمهامه إما تلقائيا أو بطلب من النيابة العامة أو ممن يعنيه الأمر(المادة 265) فيما يخص الميراث: تختص الهيئة الثلاثية عند الاقتضاء باتخاذ ما يجب من أداء نفقة  تجهيز المتوفى بالمعروف والإجراءات المستعجلة للمحافظة على التركة، وتحديد وضع الأختام وإيداع النقود والأوراق المالية والأشياء ذات القيمة ( المادة 373 )، كما تقوم بتعيين مصفي التركة بعد اتفاق الورثة على اختياره، أو إجبارهم على  اختياره (المادة 375 )، ثم أخيرا الاطلاع على إحصاء التركة و مراقبة تصفيتها (المادة 388). تلك إذن هي أهم اختصاصات القضاء الجماعي في مادة الأسرة، ننتقل الآن إلى دراسة اختصاصات القضاء الفردي.   الفقرة الثانية: اختصاصات القضاء الفردي

يتوزع القضاء الفردي في أقسام الأسرة بين القاضي المكلف بالزواج (أولا)، وقاضي التوثيق (ثانيا)، ثم قاضي شؤون القاصرين (ثالثا).

  أولا: اختصاصات القاضي المكلف بالزواج

من أهم المستجدات التي قررتها مدونة الأسرة، إحداثها لمؤسسة قاضي الأسرة المكلف بالزواج،   وتكمن اختصاصاته إجمالا في كونه يعطي الإذن بإبرام عقد الزواج للشخص الذي تمنعه ظروفه الخاصة من إبرام عقد زواجه بنفسه وفق الشروط المحددة  في المادة 17 من مدونة الأسرة، وبتأشيره على الوكالة بعد تأكده من توفرها على  الشروط المطلوبة، على أنه يمنع عليه أن يتولى بنفسه تزويج من له الولاية عليه من نفسه أو من أصوله  أو من فروعه تطبيقا للمادة 18 من مدونة الأسرة، كما له أن يأذن بزواج القاصر دون الثامنة عشرة من العمر مع بيان المصلحة و الأسباب المبررة لذلك تطبيقا للمادة 20 من مدونة الأسرة  .
ويبت القاضي المكلف بالزواج في حالة عدم موافقة النائب الشرعي للقاصر على طلب الإذن بالزواج، وعند عدم حضوره إبرام العقد طبقا للمادة 21 من مدونة الأسرة.
كما له أن يأذن بالزواج بالنسبة للشخص المصاب بإعاقة ذهنية، ذكرا أو أنثى، بعد تقديم تقرير حول الإعاقة من طرف طبيب خبير أو أكثر طبقا للمادة 23 من مدونة الأسرة .
وعليه كذلك أن يؤشر قبل الإذن بالزواج على الوثائق المطلوبة من أجل إبرام العقد، وإعطائه الإذن للعدلين بتوثيق عقد الزواج كما أكدت على ذلك المادة 65 من مدونة الأسرة .

ثانيا :  اختصاصات قاضي التوثيق

نشير في البداية إلى أن المشرع قلص في المدونة الجديدة من الاختصاصات الممنوحة لقاضي التوثيق حيث أعطى بعضا من صلاحياته للقضاء الجماعي، والبعض الآخر للقاضي المكلف بالزواج، و بقيت لديه قليل من الصلاحيات نوجزها فيما يلي:
الخطاب على عقد الزواج ووضع طابعه عليه طبقا للمادة 67 من مدونة الأسرة. الخطاب على رسم الطلاق بعد  أن تأذن المحكمة بتوثيقه لدى العدلين ثم يقوم بعد ذلك بتوجيه نسخة منه  إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق . الخطاب على وثيقة الرجعة بعد أن يقوم باستدعاء الزوجة لإخبارها برغبة الزوج في إرجاعها (المادة 129) ومن اختصاصاته أيضا، ولو لم تبين ذلك المدونة صراحة، إذنه بتوثيق شهادة شهود اتفق حضورهم النطق بوصية لفظية بعد أن تؤدى الشهادة أمامه يوم التمكن من أدائها و يخطر الورثة  بذلك (المادة 296).

ثالثا: اختصاصات قاضي شؤون القاصرين

 على العموم هي اختصاصات شبيهة إلى حد ما بالاختصاصات التي كانت لديه قبل صدور مدونة الأسرة، مع الزيادة في تدقيقها فهو الذي يأمر بفتح النيابات القانونية و كذا  مراقبتها، فقد  نص الفصل 184 من ق م م المعدل بقانون 03/72 على أنه يفتح بقسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية ملف لكل نيابة قانونية، ويقيد بسجل خاص يمسك لهذه الغاية ، وبالرجوع إلى مدونة الأسرة نجد أن المشرع أحاط القاضي المكلف بشؤون القاصرين بعدة اختصاصات يمكن تلخيصها فيما يلي:
إعطاء الإذن للصغير المميز بتسلم جزء من أمواله على سبيل الاختبار بناء على طلب الوصي أو المقدم أو الصغير المعني بالأمر، وله إلغاء هذا الإذن متى رأى سببا لذلك(المادة 226) إصدار الأمر بإيداع النقود والقيم المنقولة بحساب القاصر لدى مؤسسة عمومية (المادة 235) اتخاذ جميع التدابير الكفيلة بحماية وصيانة أموال المحجور...   المطلب الثاني: الصعوبات التي تعترض قضاء الحكم بمحكمة الأسرة

إن الصياغة التشريعية الجديدة التي نظمت الأسرة رغم ما حملته من تصورات تتوخى تماسكها وإيجاد الحلول القضائية لما يواجهها من عواصف تهدد استقرارها وتعطل أداء رسالتها النبيلة باعتبارها الخلية الأساسية في تكوين المجتمع ، أظهرت على مستوى البنية القانونية مجموعة من التساؤلات المشروعة تباينت حولها رؤى الممارسين وظهرت على أرض الواقع سلوكات تجانب مقاصد المدونة من قبل المتقاضين، وقد أفرز احتكاك النص التشريعي لمدونة الأسرة مع النوازل التي طرحت، مجموعة من القراءات، سواء تعلق الأمر بالقضاة المعينين بقرار لوزير العدل كل في نطاق اختصاصه، أو محكمة الموضوع، للإشكالات المرتبطة بالتطبيق السليم للمدونة.

الفقرة الأولى: على مستوى قاضي الأسرة المكلف بالزواج

إن عقد الزواج يتسم بقدسية تميزه عن باقي العقود ويطبعه الدوام، مما حدا بالمشرع إلى إعادة النظر في طريقة توثيقه، وذلك بإحداث ملف متكامل يحفظ بكتابة الضبط يبين وضعية الزوجين عند توثيقه، تفاديا لكل تحايل أوتد ليس، غير أنه لم يمنح القاضي صلاحية الأمر بالأبحاث الضرورية للزوجين المغاربة، ولم يتم تحديد المدة القانونية التي يظل الإذن بالزواج بها ساري المفعول درءا للتحايل عليه، وهل يمكن الاعتماد عليه للمطالبة بثبوت الزوجية إن أراد أحد الطرفين التحلل من الزواج [[1]]url:#_ftn1 ،وهل يعد قرارا إداريا أم قضائيا،  وماهي الجهة التي يمكن رفع الطعن إليها، كما أنه لم يتم تحديد القاضي المختص مكانيا بمنح الإذن في ظل تباين العمل القضائي، وخاصة فيما يتعلق بمنح الإذن بزواج قاصر أو ذو إعاقة ذهنية .
كما تطرح المعالجة التشريعية للزواج المختلط بعض الإشكالات في ظل القصد غير المشروع والمتوخي تحصيل منافع تخالف الغاية الأسمى للزواج وربما تمس  الأخلاق والثوابت ، ذلك أن هذا الزواج لم يقنن بشكل واضح في نص تشريعي، وبقي حكرا على تشريعات استثنائية كالمناشير الوزارية وما يمكن أن يثار بشأن قيمتها القانونية وإلزاميتها، ومدى الصلاحيات التي يجب النهوض بها من طرف القاضي للبحث في كل ما يقنعه بجدية الراغبين في  الإذن بالزواج، لتظل مؤسسة الزواج في إطارها الشرعي والقانوني بعيدة عن كل أشكال الاستغلال

الفقرة الثانية : على مستوى قاضي التوثيق

 تثير المدة الزمنية التي يتعين على قاضي التوثيق المخاطبة على الرسوم العدلية سؤالا حول الأثر القانوني في أفق رفع الوصاية على عمل العدول دونما حاجة لمراقبة خطة العدالة، إسوة بالموثقين العصريين، ليتحمل العدل المسؤولية عن مهامه  توفيرا لجهد  القاضي وتسهيلا لأصحاب الرسوم على التوصل بها في أقصر الآجال، كما يجب تفعيل المهام الرقابية، بمنح القاضي إحالة التقرير المثبت للمخالفات التي ارتكب العدل إلى المحكمة الابتدائية وليس إلى محكمة الاستئناف وفق الرؤية التي تبناها المشرع مع النسا خ.

الفقرة الثالثة : على مستوى قاضي شؤون القاصرين

تواجه عمل قاضي شؤون القاصرين عدة صعوبات لعل أهمها قلة الإمكانيات القانونية التي تمكنه من مراقبة أوضاع الطفل المهمل الموجود بالخارج بحيث يظل ذلك رهين بقيام المصالح القنصلية بعملها، علما أن المشرع لم يمكنها بأية إمكانية قانونية تستند عليها في تتبع وضعية الطفل الذي يمكن أن يكون عرضة للاستغلال من طرف الشخص الذي تكفل به في غياب إلزام الكفيل بمراجعة المصالح القنصلية.
ونلاحظ كذلك أن المشرع لم ينظم مسطرة التكفل بأطفال ليسوا في حالة إهمال بالمفهوم الواسع في الفقه الإسلامي كاليتيم الذي له بعض وسائل العيش[[2]]url:#_ftn2 .
كما تطرح مسألة ملاءمة قانون الكفالة مع قانون الحالة المدنية، فيما يتعلق بإضافة أسماء الأبوين والإسم العائلي، الذي يظل مختلفا عن البيانات الأساسية المتكفلة، وما لذلك من آثار نفسية على الطفل في محيط الأسرة البديلة، فالأمر يتطلب ملاءمة تشريعية اقتداء باتفاقية حقوق الطفل، هذا علاوة على إشكالية أخرى تطرح من الناحية العملية وتتمثل في مطالبة الأم من طرف الإدارات العمومية وغيرها، عند وفاة الأب، بالإدلاء بما يفيد بأنها الولي الشرعي للأبناء، ولعمري في ذلك حيف كبير و جهل تام بمقتضيات المادة 231من مدونة الأسرة [[3]]url:#_ftn3

الفقرة الرابعة :  على مستوى محكمة الموضوع

إن صياغة أحكام مدونة الأسرة، طبعتها رغبة ملحة من طرف المشرع في تسريع الإجراءات وسرعة البت، ترجمها في العديد من المقتضيات والإجراءات، كما أعلنت عنها الإرادة الملكية السامية  في الرسالة التي وجهت إلى وزير العدل وهي تحث على سرعة البت  وداخل آجال معقولة كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وقد تضمنت العديد من النصوص مددا زمنية يتعين على المحكمة التقيد بها، كالمواد 15و45و68و83 و82 و97 و192و140و190و141و113 من مدونة الأسرة والمادة 179 من ق م م،  والمادة 21 من قانون كفالة الأطفال المهملين، إلا أن السؤال الذي يثور هنا هو هل هذه الآجال تشجيعية أم أنها مقترنة بجزاء؟  ولماذا لم يعمل المشرع، بمناسبة التعديلات الأخيرة،على جعل قضايا الرجوع إلى بيت الزوجية من اختصاص القضاء الفردي مستجيبا للواقع العملي المطروح في المحاكم، ذلك أن قضايا النفقة التي ترفع من طرف الزوجة هي من اختصاص القضاء الفردي، في حين أن دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية تدخل في اختصاص القضاء الجماعي،  فإذا قام الزوج بتقديم طلب الرجوع أثناء دعوى النفقة، توجب إحالة الملف على القضاء الجماعي مما يطيل أمد النزاع بشكل يزيد في مأساة الزوجة والأبناء.
هذا فضلا عن أن تعثر التنفيذ حاضر بقوة، وربما من أسبابه، تعلق أحكام النفقة بأداء المحكوم عليه لليمين القانونية وخاصة عندما  يغادر المغرب [[4]]url:#_ftn4 ،كما قد يعمد الزوج، المحكوم عليه بتوفير سكن للمحضون، بكراء لبيت الزوجية، فيمتنع عن أداء الكراء ويتم بالتالي إفراغ الأم والأبناء، مما يؤثر على فعالية المقتضيات المتعلقة بسكن المحضون.
إن إرادة المشرع أيضا ظهرت من خلال حرمان المتقاضي المتضرر من الحكم القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية  من ممارسة حق الطعن  في الشق المنهي للعلاقة الزوجية، ومع ذلك نتساءل عن المعيار المعتمد للتمييز بين الجانب الشخصي والمالي، وأيهما أحق وأجدر بالحماية القضائية، وهل تلك الحالات واردة على سبيل الحصر ولا تشمل الحكم بالطلاق الاتفاقي والطلاق بالخلع علما أنه تصدر أيضا أحكام برفض طلب التطليق .
كما تطرح إشكالية أخرى تتعلق بكيفية تعامل محكمة الموضوع مع دعوى ثبوت الزوجية التي يلجأ إليها الزوجان، بعدما يرفض قاضي الأسرة المكلف بالزواج الإذن لهما، مستغلين بذلك الفراغ التشريعي للعبث بالأهداف السامية للمدونة من خلال الرفع من سن الزواج لمصلحتهما وللمجتمع، ونفس الأمر يثار بالنسبة للعسكريين والأجانب وذوي الإعاقة الذهنية ومن يرغب في التعدد، ألا يجب تحريك الأداة الزجرية لتطويق الظاهرة وإرجاع الأمور إلى نصابها؟ أليست هناك إمكانية لتجريم عدم توثيق الزواج ؟
وفي سياق الحفاظ على تماسك الأسرة، هل يمكن القول إن المشرع منع الطلاق بوكالة مع ما يترتب على ذلك بالنسبة للمقيمين خارج المغرب؟ أم أنه لازال منظما بالقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود،  مادام لم يمنعه صراحة، ويمكن التوكيل بعد استنفاذ مسطرة الصلح التي تستلزم الحضور الشخصي.
إن وجود محكمة الأسرة ضرورة اقتضتها حاجيات العصر نتيجة تراجع دور الأسرة وتفككها وتأثيرها على الأطفال، الأمر الذي دعا إلى وجوب تفهم أسباب الخلاف وتحليلها، وذلك مفتقد في النظام القضائي لعدم وجود استعداد لدى القاضي يمكنه من معالجة هذا المشكل الدقيق في غياب وسائل علمية كفيلة بذلك، ورغم الإشارات البسيطة التي حملتها المدونة، لا زال هناك غياب تقنين دقيق لكيفية الاستعانة بالخبراء (الطب النفسي) والأخصائيين الاجتماعيين، والذين يشكلون أمرا محمودا لقدرتهم على تفهم مشاكل الأسرة وعقد جلسات مع مكوناتها فيكونون الأقدر على إيجاد الحل الملائم ويقدمون المشورة العلمية بشكل واضح للمحكمة بشأن إمكانية استمرار العلاقة الزوجية أو وجوب توقفها، فمؤسسة مجلس العائلة التي أوكل لها المشرع الصلح، سرعان ما تنقسم إلى فريقين بفعل القرابة للزوجين  وانعدام الوعي [[5]]url:#_ftn5 ، كما أن طريقة إلزام المصر من الزوجين على الإخلال بالواجبات المذكورة في المادة51 من المدونة، والمتعلقة بالمساكنة الشرعية والمعاشرة بالمعروف وحسن المعاملة، لم تعالج بشكل واضح ومفصل ولم تبين الآثار المترتبة على ذلك.
ونشير في الأخير إلى أن التنزيل السليم لمدونة الأسرة يفرض كذلك على الإدارة مواكبتها، بحيث ترفض بعض الإدارات أحكام الطلاق، وتصر على المطالبة بتحريرها في رسوم عدلية، كما أن الأبناك والمحافظات العقارية عند طلب قرض يقل عن 200الف درهم لفائدة قاصر أو تسجيل بيع لفائدته، يجبران التوفر على إذن قضائي من قاضي شؤون القاصرين مخالفين بذلك مقتضيات المادة 241من مدونة الأسرة، التي لا تأمر بفتح ملف النيابة الشرعية إلا إذا تعدت أموال المحجور 200ألف درهم ، ونفس الأمر بخصوص المعالجة التشريعية في الفقرة الأخيرة للمادة 45 من المدونة والتي تخول للمحكمة تطبيق مسطرة التطليق للشقاق في حالة عدم توافق الزوجين بشأن التعدد.
كانت تلك بعض الإشكالات العملية التي تعترض قضاء الحكم في مادة الأسرة على مختلف مكوناته، والتي نحسبها  أكبر عائق لصيانة الأسرة من شائبة  التعسف والضياع، خاصة وأن المشرع طالما أغفلها في كل مناسبة أتيحت له لتعديل بعض مقتضيات قانون الأسرة.

المبحث الثاني:  دور النيابة العامة في خدمة الأسرة والمجتمع و المعيقات

إلى جانب وظيفة النيابة العامة في الميدان الزجري حيث تكاد تنفرد بإقامة الدعوى العمومية ومتابعتها والإدلاء بالحجج المؤيدة لها وممارسة طرق الطعن بشأنها ، فإن جل التشريعات قد أوجدت نظاما خاصا لتدخل النيابة العامة في الميدان المدني، حينما يتطلب الأمر حماية مراكز قانونية معينة جديرة بذلك ، وخاصة عندما تكون المنازعة ذات صبغة لها علاقة بالنظام العام أو بتحقيق المصلحة العامة[[6]]url:#_ftn6 .
 وبمجرد دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق، ثار نقاش فقهي وقضائي حول تحديد صفة النيابة العامة في قضايا الأسرة: هل النيابة العامة طرف رئيسي دائما في قضايا مدونة الأسرة ؟ الجواب صريح من خلال مقتضيات المادة 3 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: " تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة"، غير أنه رغم وضوح هذه المادة فإنه سرعان ما يتجلى غموض آخر بالرجوع إلى المادة 9 من قانون المسطرة المدنية كما تم تعديلها وتتميمها بمقتضى قانون 03-72 القاضي بتغيير المسطرة المدنية والتي تقضي بما يلي : "يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية:
القضايا المتعلقة بالنظام العام.... القضايا المتعلقة بالأسرة". فهذا الفصل يفيد بأن النيابة العامة تتدخل كطرف منضم في القضايا المتعلقة بالأسرة ما دام الأمر يتعلق بقضايا يأمر القانون بتبليغها إليها لتقديم مستنتجاتها الكتابية والشفوية، فكيف يمكن التوفيق إذن بين هذه الازدواجية في تدخل النيابة العامة في القضايا المتعلقة بالأسرة؟ 
المطلب الأول: مجالات تدخل النيابة العامة في قضاء الأسرة

من خلال استقراء مواد مدونة الأسرة، نجد أن المشرع المغربي قد حدد حصرا الحالات التي تتقاضى فيها النيابة العامة كطرف رئيسي (حيث تمارس حق الادعاء وتستعمل كل طرق الطعن عدا التعرض، ويعتبر حضورها إلزاميا في الجلسة...)، في حين تتدخل كطرف منضم وتبدي رأيها لمصلحة القانون والعدالة في باقي قضايا مدونة الأسرة تطبيقا لمقتضيات الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية.
يتضح مما سبق بأن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة يتمثل في كونها تسهر على حسن تطبيق القانون بشكل يتلاءم مع النص في جميع القضايا التي تكون فيها طرفا رئيسيا أو منضما.

الفقرة الأولى :  الحالات التي تكون فيها النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة
حماية حقوق الأطفال: أصبح للنيابة العامة أثناء مرحلة الزواج وكذا بعد إنهاء العلاقة الزوجية دورا هاما لحماية الحقوق المترتبة للأطفال منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد على مستوى الرعاية النفسية والمالية والحضانة وغيرها، فقد كلفت المدونة النيابة العامة بالسهر على مراقبة تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في المادة 54 من المدونة، ودورها في هذا الصدد هو دور إيجابي وفعال ، إذ لها حق تقديم طلب بتسجيل طفل غير مصرح به بسجلات الحالة المدنية ، ولها أن تسهر على سلامة الطفل بما لها من حق تحريك المتابعة الجنائية ضد كل من ألحق ضررا به دون اشتراط شكاية من جهة معينة. كما امتد دورها إلى تقديم طلب إلى المحكمة لاختيار من تراه مؤهلا لحماية مصلحة المحضون ليقوم بالحضانة طبقا لمنطوق الفصل 165 من المدونة، بل أعطاها المشرع حتى حق تقديم طلب إسقاط الحضانة(الفصل 177) في حالة تعرض المحضون لأضرار من طرف الحاضن ، ولها أن تطلب منع السفر بالمحضون خارج أرض الوطن دون موافقة نائبه الشرعي حسب الفصل 179 من المدونة. إثبات حياة المفقود وإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة إذا تبين أن المفقود المحكوم بوفاته ما زال حيا، فللنيابة العامة أن تتقدم بطلب إلى المحكمة لاستصدار قرار بإثبات كونه باقيا على قيد الحياة (الفصل 75) ، أما في حالة ثبوت التاريخ الحقيقي للوفاة غير الذي صدر الحكم به، فإنه يتعين على النيابة العامة حسب الفصل 76 أن تتقدم بطلب لإصدار الحكم بإثبات التاريخ الحقيقي للوفاة. فيما يخص الأهلية والنيابة الشرعية للنيابة العامة حسب المادة 221 من المدونة أن تطلب إصدار الحكم بالتحجير أو برفعه، كما لها أن تطلب من قاضي شؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بتسليم الصغير المميز جزءا من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار، إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها. وفي حالة إخلال الوصي بمهمته أو عجزه فإنه يمكن للنيابة العامة تقديم طلب العزل أو الإعفاء حسب المادة 270، وفي إطار تصفية التركة وحفاظا على المال العام، فإنه في الحالة التي يكون فيها بيد الهالك قبل موته شيء من ممتلكات الدولة ، فعلى قاضي المستعجلات بناء على طلب النيابة العامة أن يتخذ الإجراءات الكفيلة للحفاظ على تلك الممتلكات حسب منطوق الفصل 374 من قانون المسطرة المدنية. الفقرة الثانية :  دور النيابة العامة كطرف منضم

تتدخل النيابة العامة بهذه الصفة في جميع قضايا مدونة الأسرة التي أمر القانون بتبليغها إليها، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 9 من قانون المسطرة المدنية، ولا تكون النيابة العامة هنا خصما لأحد وإنما تتدخل لتبدي رأيها لصالح القانون والعدالة ولمصلحة الأسرة والحفاظ على وحدتها وكيانها ، ونشير هنا إلى المادة 88 من قانون الأسرة التي تؤكد بأن قرار الطلاق يجب أن يتضمن ملخص ادعاء الطرفين وطلباتهما وما قدماه من حجج ودفوع والإجراءات المنجزة في الملف ومستنتجات النيابة العامة.
كذلك فالمادة 245 تنص على أن المحكمة تحيل ملف النيابة القانونية على النيابة العامة لإبداء رأيها داخل مدة لا تتجاوز 15 يوما، فتدخل النيابة العامة في جميع هذه الحالات هو انضمامي ما دام الأمر يتعلق بحالة يأمر القانون فيها بتبليغ الملف إلى النيابة العامة للإدلاء بمستنتجاتها.
وعلاوة على موقعها في قضايا الأسرة كطرف رئيسي أو منضم، تأخذ النيابة العامة أدوارا متميزة أخرى تتضح من خلال المستويات التالية:
الدور الحمائي للنيابة العامة وذلك من خلال عدة مهام منها : السهر على تنفيذ حقوق الطفل ومراعاة المصلحة الفضلى له (المادة 54 ) إرجاع الزوج أو الزوجة المطرودة من بيت الزوجية (المادة 53) التنفيذ الفوري للتدابير المؤقتة المتخذة من طرف المحكمة في انتظار صدور حكم في موضوع النزاع المعروض على القضاء (المادة 121) تبليغ مقرر منع السفر بالمحضون إلى خارج أرض الوطن إلى الجهات العليا (المادة 179) الحضور أثناء تنفيذ الأمر بإسناد كفالة الطفل المهمل(المادة 18 من قانون الأطفال المهملين) الدور المساعد للقضاء خاصة في مجال التبليغ وتجهيز القضايا، وذلك من خلال: الاستعانة بالنيابة العامة في الحصول على موطن أو محل إقامة الزوجة يمكن استدعاؤها فيه (المادة 43) السهر على تبليغ وإخطار الزوجة التي توصلت شخصيا بالاستدعاء ولم تحضر ولم تدل بملاحظات مكتوبة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف على حالته (المادة 81) التأكد من صحة دعوى الزوجة من أجل التطليق لعدم الإنفاق وكون محل الزوج الغائب مجهولا (م103) الإعانة في تبليغ دعوى الزوجة بالتطليق للغيبة إلى الزوج الغائب (المادة 105) ج- الدور الولائي للنيابة العامة من خلال :
تلقي نسخة من عقد زواج المغاربة وفقا للقانون المحلي لبلد إقامتهم من قبل وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط عند عدم وجود محل ولادة الزوجين أو لأحدهما بالمغرب (المادة 15) تلقي ملخص وثيقة الطلاق أو الرجعة أو الحكم بالتطليق أو بفسخ عقد الزواج أو بطلانه من طرف وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط  إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب (المادة 141) إخبارها بالإحصاء النهائي والكامل للأموال والحقوق والالتزامات الخاصة بالقاصر أو المحجور المنجز من قبل العدلان بأمر من قاضي شؤون القاصرين (المادة 252) التبليغ عن وجود ورثة قاصرين للمتوفى أو عند وفاة الوصي أو المقدم من تاريخ العلم بالوفاة (المادة 266)[[7]]url:#_ftn7 . يتجلى مما سبق أن دور النيابة العامة في قضايا مدونة الأسرة هو دور إيجابي وشامل أساسه السهر على التطبيق الحسن لمقتضيات المدونة، وتفعيل الطابع الحمائي لأحكامها لفائدة القانون والعدالة ومصلحة الأسرة والحفاظ على وحدة كيانها، وترسيخ وتفعيل الأساس الذي انبنت عليه، وهو رفع الحيف عن المرأة وحماية حقوق الأطفال وصيانة كرامة الرجل.



 المطلب الثاني : الإكراهات التي تصادف عمل النيابة العامة في قضايا الأسرة

إن النيابة العمومية وكيلة المجتمع، تتمتع بصلاحيات مهمة في جغرافية مدونة الأسرة، والنصوص الخاصة المرتبطة بها، والتي يرمي من خلالها المشرع الأسري الحفاظ على الأسرة ومكاسبها، كأساس الاستقرار والتقدم، على أن الإكراهات المطروحة تفرض ضرورة تخويل النيابة العامة الآليات اللازمة للتصدي لكل ما من شأنه تقويض أركان الأسرة، والمساس بمقومات الهوية،  فظاهرة الزواج المختلط تتنامى بفضل عوامل متعددة، منها ما هو مرتبط بالدين والجنسية وقدم المعالجة التشريعية [[8]]url:#_ftn8 .
والضرورة تستدعي منح النيابة العامة مهاما تحول دون التلاعب والتحايل على القانون، والمساس بالأمن والنظام العام، ونقترح توكيل النيابة العامة رفع دعوى إبطال عقود الزواج الصورية المنافية والمنحرفة عن مقاصد الزواج الشرعية ، كما أن  دعوى تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، تطرح إشكال تباين محاكم الموضوع بخصوص مفهوم النظام العام المغربي وتحديد ماهيته  والجهة القضائية التي تتولى البت فيها، هل هي محكمة الموضوع  أم محكمة الرئيس، باعتبارها تتعلق بالتنفيذ للأحكام الأجنبية بالمغرب، وهل تخضع لإجراءات التقاضي العادية وخاصة استدعاء الأطراف، أم يقتصر دور القضاء على  التأكد من الشروط التي تطلبها المشرع في المواد 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية، وبالتالي ينبغي أن توجه ضد النيابة العامة  كمدعى عليها .
كما تعددت المطالب ومن عدة منابر بمنح النيابة العامة حق استئناف قرار قاضي الأسرة المكلف بالزواج المتعلق بمنح الإذن بالزواج للقاصر أو المصاب بإعاقة ذهنية وذلك لفائدة القانون ومصلحة المجتمع (المادة 20)، ونفس الشيء بالنسبة للحكم الصادر عن المحكمة والقاضي بالإذن بالتعدد بعد أن نصت المادة 44 على أن للمحكمة أن تأذن بالتعدد بمقرر معلل غير قابل لأي طعن، والآمال معقودة كذلك على بيان كيفية سهر النيابة العامة على تجسيد حقوق الأطفال المنصوص عليها في المادة54من المدونة.

خــــــــــاتمـة:

إن مدونة الأسرة تواقة إلى إنصاف المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الطفل في ظل مقاصد الشريعة السمحة والتزامات المغرب الدولية، فاتسمت المراجعة التشريعية بتبني  قيم المساواة الحقيقية بين الزوجين، ومبادئ العدل والشفافية في الإجراءات المسطرية، وتوخي السرعة في البت، والاستعانة بأدوات علمية عصرية في تحري الحكم المنصف، وبمؤازرة فعالة للنيابة العامة ،إلا أن تعدد الإجراءات المسطرية المنظمة  واختلافها وقصورها في بعض الأحيان، وتباين العمل القضائي في المرحلة الأولى بشأن تطبيقها ، وقلة الإمكانيات المادية و البشرية، وتكاثر الدعاوى، تعد من السمات البارزة التي تطبع محاكم الأسرة،وإحدى أهم الإكراهات المطروحة للتغلب عليها ،ولن يتأتى ذلك إلا بتظافر جهود كل المتدخلين في ميدان الأسرة من مشرع وسلطة حكومية وقضائية ومجتمع مدني ، كل فيما يخصه.

الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

الجماعات المحلية في دستور2011


بموجب دستور سنة 2011، تم تعويض مفهوم "الجماعات المحلية" بمفهوم جديد هو الجماعات الترابية، كما لم يعد يتم استعمال جماعة قروية أو جماعة حضرية، وتم توحيد ذلك في المجلس الجماعي لجماعة ...........
في هذا الموضوع البسيط ستجدون بعض الإجابات حول الاسئلة التي تتردد باستمرار والتي سنحاول الاجابة عليها بطريقة مبسطة.

 *ما هو مفهوم الجماعة الترابية؟
        الجماعة المحلية عبارة عن وحدة ترابية يتم تعيين حدودها الجغرافية بشكل دقيق طبقا لاعتبارات تاريخية وسوسيو قبلية 
        واقتصادية ومؤسساتية أو سعيا لتحقيق تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة.
        طبقا لدستور المملكة الجديد، تم تغيير تسمية الجماعات المحلية بالجماعات الترابية.
 * مم تتكون الجماعات الترابية بالمغرب وكم يبلغ عددها؟
         طبقا للدستور الجديد للمملكة، تتكون الجماعات الترابية من الجهات والعمالات والاقاليم و الجماعات، و تحدث كل جماعة
         ترابية أخرى بالقانون. وهي أشخاص اعتبارية خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بشكل ديمقراطي.
 
         تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر.
 
         تتكون الجماعات الترابية من 12 جهة ، و 75 عمالة واقليم، منها 13 عمالة و 62 اقليما،  و 1503 جماعة.
         استنادا للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، فإن:
       - الجهة جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وتشكل أحد
         مستويات التنظيم الترابي للمملكة ، باعتباره تنظيما لا مركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة.
     
      - العمالة أو الإقليم جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وتشكل أحد
        مستويات التنظيم الترابي للمملكة.
     - الجماعة تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام، 
       تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي. 
* ماهي اختصاصات الجماعات الترابية؟
        تمارس الجماعات الترابية اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة وأخرى منقولة إليها من هذه الأخيرة

        وفق الشروط والكيفيات المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بكل جماعة ترابية.

جنحة إهانة الموظف في القانون الجنائي المغربي

ذ / عمر أزوكار
تدخل في خانتها عبارات مثل “شوف أدري” و”بحالك خليتها كتجفف” ويلجأ إليها لردع الاحتجاج
تتحقق جنحة إهانة الموظف المقررة في الفصل 263 من القانون الجنائي بمختلف أشكال التعبير التي من شأنها المساس بشرف أو شعور أو الاحترام الواجب للموظف و من في حكمه.
و يتحقق الفعل الجرمي بالقول، سواء كان أمام الملأ أم لا، ويشترط فيه أن يحمل في مضمونه المس بشرف أو شعور الموظف.
و لقد اعتبر قضاء في مثل هذا الوصف: عبارة « شوف ادريري» موجه إلى شرطي أوقف سائقا، «أنا خدام باش نخلص بحالك» موجه إلى دركي، عبارة» راه بحالك خليتها كتجفف» موجهة إلى طبيبة في المستعجلات، « راك مكتعرفش القانون» موجه إلى قاضي التحقيق، غيرها من العبارات القائمة على الإثنية أو العرق، أو اللغة .
كما تدخل ضمن الإهانة ضد الموظف، جميع الأقوال التي تكيف بالقذف طبقا لقانون الصحافة.
كما تتحقق الجنحة بالمكتوب، و تطرح في هذا السياق الحدود الفاصلة بين إعمال قانون الصحافة من جهة و القانون الجنائي من جهة أخرى.
و بصفة عامة ، فإن وسائل ارتكاب جنحة الاهانة تمتد إلى الإشارات والتهديدات أو إرسال الأشياء أو وضعها أو رسوم غير علنية.
ويجب أن توجه الإهانة إلى طائفة معينة من الأشخاص حددهم المشرع حصرا.
وتنصرف حماية هذا النص إلى جميع من يمتلك صفة القاضي، بمختلف درجات المحاكم وأنواعها بما فيها المجلس الأعلى للحسابات، والمحاكم الإدارية والتجارية وقاضي القرب. ويشير النص إلى الأعضاء المحلفين، وهذه المسألة لم يقررها النظام القضائي المغربي بعد، وتعد كالعادة نقلا حرفيا عن القانون الفرنسي.
و إذا انصبت الإهانة على الهيأة القضائية أثناء انعقاد الجلسة، فإن العقوبة تصل في حدها الأقصى إلى سنتين.
وينضاف إلى من يمتلك صفة القاضي الموظفون العموميون أو رؤساء أو رجال القوة العمومية.
ونعتقد أن نطاق إعمال هذا النص ضيق جدا بالمقارنة مع القانون الجنائي الفرنسي وتدخل ضمن دائرة التجريم والعقاب كل إهانة موجهة إلى كل شخص مكلف بإدارة وتسير مرفق عمومي وكل من يمتلك صلاحيات السلطة العامة، كالوزير والوالي والعامل والعمدة ورئيس المقاطعة ورئيس الجامعة.
ولا تقوم الجنحة إلا إذا كانت الإهانة موجهة إلى الضحية بوصفه المهني لا الشخصي، وعادة ما لا يصل المتابع إلى إثبات النية من الفعل أو القول أو الإشارة و التي تخضع في مجموعها إلى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
إذا ارتكبت الجنحة أثناء انعقاد الجلسة سواء كانت المحكمة مشكلة تشكيلة فردية أو جماعية، يحرر محضر بذلك من الرئاسة، و يحال على وكيل الملك. وإذا قرر هذا الأخير الإحالة، يتعين أن يعرض الملف على هيأة أخرى غير التي وقعت إهانتها تحت طائلة خرق القانون. ويدخل في مفهوم الجلسة، جلسة البحث أو جلسة الاستماع التي يعقدها قاضي التحقيق سواء أمام المحكمة الابتدائية أو الاستئناف.
وعادة ما يختلط الإخلال بسير الجلسة مع جنحة إهانة الموظف أو من في حكمه.
و إذا صدر الفعل من المحامي، فيلجأ إلى تحرير محضر يحال على وكيل الملك الذي يحيله بدوره على الوكيل العام الذي يرجع بشأنه إلى مؤسسة النقيب في إطار الفصل 67 من قانون مهنة المحاماة، وبانقضاء أجل شهرين دون المتابعة، يطعن في القرار الضمني بالحفظ أمام غرفة المشورة.
وإذا ارتكبت الجريمة أثناء الجلسة، حددت عقوبة الحبس بين سنة وسنتين، و في الأحوال الأخرى انحصرت العقوبة بين شهر و سنة.
ويبقى التساؤل حول الفعل الجرمي المرتكب من طرف الأشخاص المعنويين. إذ ما هي حدود إعمال المتابعة؟
ولم يقتصر النص في العقوبات الإضافية إلا على نشر الحكم وإعلانه على نفقة المحكوم عليه، خلاف القانون الفرنسي، الذي يذهب إلى حد التجريد من الحقوق المدنية، أو المنع من ممارسة الكتابة إذا تعلق الأمر بالصحافة.
ومن خلال ما اطلع عليه من قرارات قضائية في هذا الاتجاه، يلجأ في أغلب الأحوال إلى هاته الجنحة كرد فعل عن كل فعل احتجاج وبأي أسلوب كان لردع المواطن عن إثارة الانتباه إلى الإخلال في سير المرفق أو عدم كفاءة المشرفين عليه، وللأسف، عادة ما يصاحب الاعتقال المتابعة وكأنه سلوك سيكولوجي لردع المخالف. و الحال أن طبيعة هذه النصوص التي تشكل استثناء من مبدأ المساواة في الشرعية الجنائية التي تقتضي التريث

حق الأم العازبة في الحصول على الدفتر العائلي

مستجدات قانونية
القضاء المغربي يقرّ حق أم عازبة في الحصول على دفتر عائلي(الحالة المدنية )
أصدر القضاء الاستعجالي بالمغرب مؤخرا قرارا يعتبر من بين القرارات القضائية المبدئية أقر بحق الأم العازبة في الحصول على دفتر عائلي[1].
ملخص القضية
تعود فصول القضية الى 07 من نوفمبر من العام الجاري، حينما تقدمت أم عازبة بمقال استعجالي إلى رئيس المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب تعرض فيها بأن لها ابنة من أب مجهول، وأنها قامت بتسجيلها في سجلات الحالة المدنية، لكن السلطات الإدارية رفضت تسليمها دفترا عائليا بعلة أن الأم العازبة لا حق لها في دفتر عائلي، وأضافت بأنها مهاجرة بالديار الإسبانية، وتكافح من أجل إتمام اجراءات التجمع العائلي المتعلق بابنتها، والتي تستلزم إدلاءها بالدفتر العائلي أمام السلطات القنصلية الإسبانية.

الأسباب القانونية المعتمدة في الحكم

اعتمدت المحكمة على مقتضيات مدونة الأسرة[2] التي تجعل من الأم نائبة شرعية عن أبنائها في حالة غياب الأب[3]. وطبقت هذا المقتضى على حالة الأم العازبة التي أغفل قانون الحالة المدنية[4] التنصيص على حقها في تسلم دفتر عائلي. وعززت هذا الاجتهاد القضائي الحديث بالاعتماد أيضا على مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة[5] التي تنص على مسؤولية الدولة في اتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم، لتخلص إلى أن المصلحة الفضلى للطفلة تقتضي إعداد كافة الظروف الملائمة لإنجاز دفتر عائلي في اسم والدتها وتضمينه كافة البيانات المقررة قانونا المتعلقة بهما وهو حق طبيعي من حقوق الطفل التي تنص عليه كافة التشريعات والقوانين المنظمة.

قرار المحكمة

أمر ضابط الحالة المدنية لمكان سكنى المدعية بتسليم الدفتر العائلي للمدعية يتضمن كافة البيانات القانونية اللازمة. مع شمول الأمر بالنفاذ المعجل.

هل يضع هذا الاجتهاد القضائي الحديث حدا لإقصاء الأمهات العازبات من الحصول على دفتر عائلي؟

سبق للعديد من المنظمات الحقوقية النسائية منها على وجه الخصوص أن أثارت قضية التمييز الذي تعاني منه الأمهات العازبات[6] في الحصول على دفتر عائلي، ذلك أن الفصل 23 من القانون المتعلق بالحالة المدنية ينص على أن الدفتر العائلي يسلم للزوج، كما تسلم نسخة منه للزوجة المطلقة أو الأرملة[7]. وقد أدى التطبيق الحرفي لهذه المقتضيات من طرف ضباط الحالة المدنية إلى حرمان الأمهات العازبات من حقهن في الحصول على دفتر عائلي، لكون النص القانوني لم يشملهم بهذا الحق بشكل صريح. ويؤمل أن يضع هذا الاجتهاد القضائي المبدئي الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب حدا لمعاناة الآلاف من الأمهات العازبات المحرومات من حقهن في الحصول على دفتر عائلي بسبب التمسك الحرفي بتطبيق بعض النصوص القانونية وعدم تحيين القوانين مع مدونة الأسرة التي أقرت حق المرأة في الولاية على أبنائها على قدم المساواة مع الرجل.

[1] - يتعلق الأمر بالأمر الصادر عن قاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب رقم 245/2017، بتاريخ 20/11/2017.
[2] - ظهير رقم 22-04-1 صادر بتاريخ 03/02/2004، بتنفيذ القانون رقم 03-70 بمثابة مدونة الأسرة، منشور بالجريدة الرسمية رقم 5184 بتاريخ 05/2/2004.
[3] - تنص المادة 230 من مدونة الأسرة على أنه :" يقصد بالنائب الشرعي : 1- الولي وهو الأب والأم والقاضي؛ 2- الوصي وهو وصي الأب أو وصي الأم؛ 3- المقدم وهو الذي يعينه القضاء".
وتنص المادة 231 من مدونة الأسرة على أن : "صاحب النيابة الشرعية: - الأب الراشد؛ / - الأم الراشدة عند عدم وجود الأب أو فقد أهليته؛.."
[4] - ظهير رقم 1.02.239 صادر بتاريخ 03/10/2002، بتنفيذ القانون رقم 37.99 المتعلق بالحالة المدنية.
[5] - تنص المادة 54 من مدونة الأسرة، على ما يلي:
 "للأطفال على أبويهم الحقوق التالية: 1- حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد؛ / 2- العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة، بالنسبة للاسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية؛ / 3- النسب والحضانة والنفقة طبقا لأحكام الكتاب الثالث من هذه المدونة؛ / 4- إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة؛ / 5- اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا؛ / 6- التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيم النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل، واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي، والمعنوي، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل؛ 7- التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية وللعضوية النافعة في المجتمع، وعلى الآباء أن يهيئوا لأولادهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني. عندما يفترق الزوجان، تتوزع هذه الواجبات بينهما بحسب ما هو مبين في أحكام الحضانة. عند وفاة أحد الزوجين أو كليهما تنتقل هذه الواجبات إلى الحاضن والنائب الشرعي بحسب مسؤولية كل واحد منهما.  يتمتع الطفل المصاب بإعاقة، إضافة إلى الحقوق المذكورة أعلاه، بالحق في الرعاية الخاصة بحالته، ولا سيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع.  تعتبر الدولة مسؤولة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتها طبقا للقانون. تسهر النيابة العامة على مراقبة تنفيذ الأحكام السالفة الذكر".
[6] -أنظر على سبيل المثال : -الدراسة الوطنية الأولى حول الأمهات العازبات في المغرب التي أعدتها جمعية "إنصاف" سنة 2010.
[7] -تنص المادة 23 من قانون الحالة المدنية على أنه: "يحدث دفتر عائلي للحالة المدنية يحرر باللغة العربية مع كتابة الأسماء الشخصية و العائلية و مكان الولادة و أسماء الأبوين بالحروف اللاتينية بجانب كتابتها بالحروف العربية، ويسلمه ضابط الحالة المدنية لمكان الولادة للزوج المغربي المسجل بالحالة المدنية، إن كان لا يتوفر على كناش التعريف و الحالة المدنية، بعد الإشارة إلى عقد زواجه أو وثيقة إثبات زواجه برسم ولادته و بعد فتح ملف عائلي يمسك بالمكتب و سيحدد شكل الدفتر العائلي و مضمونه بمقتضى نص تنظيمي. إذا كان طالب الدفتر العائلي مولودا بالخارج، و استقر نهائيا بالمغرب عند طلبه لهذا الدفتر، فإن ضابط الحالة المدنية المختص بتسليم الدفتر العائلي هو ضابط محل سكناه. يحق للزوجة أو الطلقة أو للنائب الشرعي الحصول على نسخة من الدفتر العائلي مصادق على مطابقتها للأصل. يجب تقديم الدفتر العائلي إلى ضابط الحالة المدنية المختص ليدرج به كل تغيير يقع على الحالة المدنية أو العائلية لصاحب الدفتر أو لأحد أفراد أسرته، و في حالة الامتناع عن تقديم هذا الدفتر، يصدر رئيس المحكمة الابتدائية في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية أمرا بتقديم الدفتر إلى ضابط الحالة المدنية تحت طائلة الحكم بغرامة تهديدية".

المقاربة الأمنية في مكافحة الجريمة

☆مهم جدا للمباريات الشفوية☆
بخصوص تأصيل دور الجهاز الأمني في مكافحة الجريمة قضائيا 2
نعتقد أن المقاربة الأمنية جنائيا تعفينا من كثير عناء لنثبت أن لا علاقة لها بالتضييق على الحقوق والحريات. بل هي تكريس جنائي لمدى التزام الدولة بضمان الأمن والاستقرار للمواطنين في إطار ما تسمح به القوانين والنظم.
صحيح أن المقاربة الأمنية جنائيا ليست أسلوبا أو توجها ولا حتى سياسة جنائية بل هي تطبيق صارم للقانون واحتكام متشدد لروحه وقيمه.
كنا ومازلنا وسنظل من المدافعين عن الشرعية الملتزمة بسمو القيم الإنسانية التي كما تؤمن بالحقوق والحريات فهي تؤمن كذلك  بالدولة القوية بالقانون والمؤسسات.
نعتبر أنه آن الأوان للاعتراف القانوني الصريح والواضح للجهاز الأمني بدوره المهم في مكافحة الجريمة قضائيا إلى جانب السلطة القضائية. ونبادر بالإشارة إلى أن هذا الاعتراف إذا كان يسهل على البعض القول به ولو بدون البحث عما يمكن أن يثبته ويؤسس له فمن جهتنا نؤكد على أنه في حاجة إلى اجتهاد كبير حاسم ومقنع بهذه الفكرة الحيوية.
ربما الذي يسهل علينا تبرير هذا الدور الأصيل للجهاز الأمني شغله المنطقي لأول مرحلة تنطلق منها إجراءات المسطرة الجنائية أي مرحلة البحث. هذه المرحلة التي هي بحاجة اليوم إلى تصور إجرائي متكامل يعي جيدا بمدى حاجة العدالة الجنائية في هذه المرحلة الأولى للخبرة الأمنية التي نعتبرها منسجمة تمام الانسجام مع طبيعة المهام الثلاث الموكولة للضابط. ونعني بذلك معاينة وقوع الجريمة - حتى لا نقول بالتثبت - وجمع الحجج عنها والبحث عن المشتبه فيهم وضبطهم واستجوابهم...
ويكفي أن نقول بأن الحراسة النظرية ليست اعتقالا احتياطيا وأن الاستجواب لا يعني الاستنطاق كما أن الشخص المفيد للتحريات ليس هو الشاهد حتى نستشعر أصالة دور الجهاز الأمني.
ولعله بالتأمل فقط في هذه المفارقات حتى ومن دون التعمق فيها يمكن الاهتداء إلى الربط المنطقي القانوني بين طبيعة مرحلة البحث وطبيعة المهمة الأمنية.
مع ذلك لا بد من التنبيه إلى أن الشق المعني في المهمة الأمنية يتمثل في الجانب الزجري دون جانبها الوقائي.
وإن كنا نرى للشق الوقائي فيها أهمية حيوية في الجرائم ذات الخطورة المتميزة حيث يمكن أن نرى لها صلة وثيقة بالجانب الزجري يمكن استثماره بشكل استباقي.

صندوق التكافل العائلي في مدونة الأسرة

مستجدات قانونية:
تعلن وزارة العدل أنه تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى الاهتمام بشؤون المرأة والطفل وإيلاء الأسرة المغربية ما يليق بها من رعاية، ولأفرادها ما يلزمها من عناية، وتجسيداً لسياسة الحكومة لدعم القطاع الاجتماعي، والعناية الخاصة التي توليها لدعم الفئات الهشة والمعوزة خاصة منهم الأطفال والأمهات المهملات.
وبعد إجراء تقييم شامل لعمل صندوق التكافل العائلي، ورصد الثغرات والنواقص التي تعتري منظومة هذا الصندوق والتي تحول دون تحقيق النتائج المرجوة منه، خلصت وزارة العدل إلى ضرورة إدخال تعديلات جوهرية على القانون المنظم له والصادر بتاريخ 13 دجنبر 2010، وذلك بتوسيع دائرة المستفيدين من خدماته، وتبسيط إجراءات ومساطر الاستفادة من مخصصاته المالية، فضلاً عن تعزيز آليات الحكامة في عمله وحماية أمواله من أي غش أو تحايل أو تدليس.
وبناءاً عليه، صادق المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 7 دجنبر 2017، على مشروع قانون، تقدمت به وزارة العدل، بتغيير القانون رقم 10/41 المتعلق بتحديد شروط و مساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي.

يهدف هذا المشروع أساسا إلى :
1) أولا : توسيع دائرة المستفيدين من خدمات صندوق التكافل العائلي، لتشمل إضافة إلى مستحقي النفقة من الأولاد بعد انحلال ميثاق الزوجية المنصوص عليهم في القانون المطبق حاليا، كلا من الزوجة المعوزة المستحقة للنفقة، ومستحقو النفقة من الأولاد خلال قيام العلاقة الزوجية بعد ثبوت عوز الأم، ومستحقو النفقة من الأولاد بعد وفاة الأم، مع التذكير أن المتوفر من المخصصات المالية لصندوق التكافل العائلي تكفي لتغطية التكاليف المالية التي ستنجم عن إضافة الفئات الجديدة.

2)  ثانيا: تعزيز ولوج الأطفال للعدالة لاقتضاء حقوقهم، وذلك من خلال التنصيص على حق الأولاد القاصرين الذين ليس لهم نائب شرعي، بأن يتقدموا بصفة شخصية بطلب الاستفادة من مخصصات الصندوق بعد إذن رئيس المحكمة.

3)  ثالثا: تبسيط الإجراءات الخاصة بالاستفادة من مخصصات الصندوق، وذلك من خلال أمرين اثنين  أولهما : منح طالب الاستفادة من مخصصات الصندوق خيارا ثالثا بخصوص المحكمة المقدم إليها طلب الاستفادة، فإضافةً إلى المحكمة الابتدائية المصدرة للمقرر القضائي المحدد للنفقة، والمحكمة الابتدائية المكلفة بالتنفيذ، نصَّ المشروع الجديد على خيار آخر هو حق اللجوء إلى المحكمة التي يوجد في دائرة نفوذها موطن أو محل إقامة المستفيد. وثانيهما : التنصيص على إحالة كتابة الضبط تلقائيا لمقرر الاستفادة الصادر عن رئيس المحكمة أو من ينوب عنه خلال أجل 03 (ثلاثة) أيام من صدوره على صندوق الإيداع والتدبير، وذلك من أجل صرف المخصص المالي دون حاجة إلى تقديم طلب من طرف المستفيد كما هو معمول به في ظل القانون الحالي.

4)  رابعا: تعزيز آلية حماية أموال الصندوق من أي تحايل أو غش، وذلك من خلال إدخال تعديل جوهري على مقتضيات المادة 13 المتعلقة بإيقاف صرف التسبيقات المالية في حالة وقوع أي تغيير يؤدي إلى سقوط الحق في الاستفادة.

5)  خامسا: إسناد مهمة تحصيل التسبيقات المأمور باسترجاعها والغرامات المالية المفروضة على المستفيد، لكتابة الضبط.

6)  سادسا: إسناد مهمة استرجاع المخصصات المالية المؤداة من طرف صندوق التكافل العائلي في مواجهة الملزم بأداء النفقة، إلى كتابة ضبط المحكمة بدلا من الهيئة المكلفة بتدبير عمليات الصندوق التي هي صندوق الإيداع و التدبير.

الجريمة في القانون الجنائي الخاص

أولا: الجرائم الماسة بالأخلاق
1~ جريمة الإغتصاب.
أ~ الركن المادي: يتكون الركن المادي لجريمة الإغتصاب من عنصرين هما:
~ مواقعة رجل لإمرأة ويقصد بالمواقعة الإتصال الجنسي الطبيعي بين رجل وامرأة لأن في غير المكان الطبيعي ننتقل الى وصف آخر وهو جريمة هتك العرض .
والإغتصاب هو إيلاج الرجل عضوه التناسلي في المكان الطبيعي للمرأة لأنه إذا لم يقم بذلك لا تقوم جريمة الإغتصاب وإنما يقوم وصف آخر وهو جريمة هتك العرض.
الإتصال الجنسي في جريمة الإغتصاب لا يشترط فيه أن يكون الإيلاج كليا أو جزئيا أي أنه بمجرد إيلاج الرجل لعضوه الدكري تقوم جريمة الإغتصاب.
كما أنه لا يشترط الإنتصاب لتقوم جريمة الإغتصاب أي أن هذه الأخير تقوم سواء كان عضو الرجل منتصبا أم لا ، كما لا تشترط اللذة الجنسية، كما لا يشترط سن معين لدى الأنثى، كما لا يعتبر الإتيان من الخلف مواقعة.
وبما أننا ننتحدث عن مواقعة رجل لإمرأة فإنه يجب أن لا تقوم بين الطرفين علاقة الزوجية.
~ إنتفاء الرضاء، يجب أن تكون المواقعة بين رجل و امرأة بدون إرادة منها لتعتبر جريمة اغتصاب لأن برضاها نكون أمام وصف آخر وهو جريمة الفساد أو الخيانة الزوجية، والمجني عليها في الإغتصاب هي دائما المرأة ، وعليه فإنه لا يمكن القول بتاتا بإغتصاب طفل قاصر اي اغتصاب الذكر للذكر هذا يسمى بهتك العرض .
وإنتفاء الرضاء يتخد عدة صور منها:
الإكراه المادي أي استعمال وسائل مادية لإجبار المرأة على المواقعة مثل الشخص الذي يخمل مسدسا على المرأة قصد إرغامها على المواقعة.
الإكراه المعنوي وذلك عن طريق التهديد والتخويف مثل من يهدد بالمرأة بإفشاء أسرارها إذا لم تسلمه نفسها وكذلك الإغتصاب في حالة فقدان الوعي أو في حالة الغش والخديعة ، كالطبيب الضي يعطي مخدرا للمرأة وبعدها يقوم بإغتصابها ، أو الطبيب الدي تمكنه المرأة من نفسها حتى يقوم بالكشف عنها ويفاجئها بالمواقعة و يغتصبها.
ب~ الركن المعنوي: الركن المعنوي في جرية الاغتصاب هو القصد الجنائي، اي النّية لدى الجاني لارتكابها. ويكون ذلك حين يكون الفاعل يعلم مسبقا أنّه يواقع امرأة دون رضاها ودون أن تكون مرتبطة معه بعقد الزّواج. فمثلا لو أنّ رجلا واقع امرأة على أنّا أنّها زوجته في حين أنّها امرأة أخرى غيرها، فانّنا حينها لن نكون أمام جريمة الاغتصاب، على اعتبار أنّ النّية لم تكن لدى الفاعل و بالتّالي انتفاء الرّكن المعنوي في الجريمة. كما لا تقوم جريمة الاغتصاب اذا كان الجاني أتى الفعل مرغما كما لو أنّ الفاعل تمّ تهديده بالقتل من طرف شخص آخران ان هو لم يواقع امرأة مقصودة.

2~ جريمة هتك العرض.

أ~ الركن المادي: يتكون الركن المادي لجريمة هتك العرض من العناصر الآتية:
~ الفعل المادي، ويتمثل في وجود عنصر الملامسة في الأماكن الجنسية في جسم الضحية ، أما إذا إقتصر فعل الجاني على الإشارات البديئة والإيماءات المخزية والتعرية المتعمدة فهنا نكون أماو وصف جنائي أخر هو جريمة إخلال علني بالحياء، أما إذا كان الفعل ملامسة لموضع عورة لدى المجني عليه فهو هتك عرض، في هذه الجريمة لا يفترض إتصالا جنسيا بين الجاني والمجني عليه وإنما يفترض فعلا جنسيا.
~ الجاني والمجني عليه في جريمة هتك العرض، أطراف الجريمة يمكن أن يكون الجاني امرأة أو رجل وال مجني عليه أمرأة أو رجل ، بمعنى آخر أن جريمة هتك العرض يمكن أن يمارسها الرجل على المرأة أو المرأة على الرجل، أو رجل على رجل أو امرأة على امرأة.
~ الفعل المادي في جريمة هتك العرض قد يقوم إما بإستعمال العنف أو بدون استعماله.
ب~ الركن المعنوي: تعتبر جريمة هتك العرض جريمة عمدية لذلك يشترط فيها توافر القصد الجنائي العام والذي يتمثل في العلم المصاحب لإرادة الفعل المادي ، أي توجيه الجاني لإرادته بإختياره نحو الفعل والعلم بأنه يرتكب فعلا مجرما ومعاقب عليه.
3~ جريمة الخيانة الزوجية.
الخيانة كمفهوم تعني الإخلال بوعد الوفاء والإخلاص كقيمة تبنى عليها العلاقة بين شخصين، أما الخيانة في العلاقة الزوجية فتعني ممارسة الجنس مع شخص آخر غير الشريك، في المجتمع المغربي أصبحت ظاهرة الخيانة الزوجية منتشرة إلى حد أصبح الكلام عنها أو القيام بها جزءا من المسلمات نظرا لتساهل المجتمع معهاخصوصا إذا كانت تحمل توقيع الرجل الذي يتم التعامل مع خيانته كشر لا بد منه عكس المرأة التي تواجه خيانتها من طرف المجتمع بكثير من القسوة. ونظرا لاستفحال الظاهرة ظهرت وكالات وشركات تقدم لزبنائها رصد تحركات الأزواج المشكوك في تصرفاتهم ومراقبتهم. وقد خص المشرع المغربي جريمة الخيانة الزوجية بأهمية قصوى من خلال التعاطي معها في فصول القانون الجنائي،فما الركن المادي لهذه الجريمة؟ وما ركنها المعنوي؟
أ~ الركن المادي: يتكون الركن المادي لجريمة الخيانة الزوجية من:
~ وجود مواقعة جنسية في المكان الطبيعي وأن تتم بين رجل وإمرأة.
~ يشترط قيام صفة الزوجية لدى أحد الأطراف على الأقل ، فإذا كان أحد الأطراف يحمل صفة الزوجية دون الأخر فإن الأول يتابع بجريمة الخيانة الزوجية بينما يتابع الطرف التاني بالمشاركة في جريمة الخيانة الزوجية.
~ لا بد من وجود الشكاية من الزوج أو الزوجة المجني عليها.
واستثناء لا يشترط وجود الشكاية في حالة غياب أحد الزوجين خارج المغرب، فتتابعه النيابة العامة متى كان الزوج الآخر يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة.
للإشارة فإنه في حالة التنازل عن الشكاية من طرف أحد الزوجين فإن هذا الإجراء يضع حدا للمتابعة حتى ولو تم إصدار حكم نهائي في الموضوع فإنه بمجرد التنازل عن الشكاية فإن هذا الإجراء يوقف آثار هذا الحكم.
بينما مشارك الزوج أو مشاركة الزوجة لا تستفيد من هذا التنازل.
ب~ الركن المعنوي: جريمة الخيانة الزوجية هي جريمة عمدية تتطلب القصد الجنائي العام أي إرادة الفاعل وعلمه بأن فعله يشكل جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي.
القاعدة في قانون المسطرة الجنائية أن الجرائم يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات من اعتراف و شهادة الشهود و قرائن و غيرها. لكن جريمة الخيانة الزوجية و الجرائم الجنسية بشكل عام تتميز بخصوصية على مستوى الإثبات. و ذلك لخصوصية الفعل المادي فيها. بحيث ان المشرع يشترط العلاقة الجنسية و هذه الأخيرة كما هو معلوم في غالب الأحوال لا تتم علنا بحيث لا يمكن إثباتها بشهادة الشهود أو بقرائن أخرى غير الاعتراف أو حالة التلبس.
أما أن ترتكب جريمة الخيانة الزوجية علنا و أمام الجمهور فإن الجريمة في هذه الحالة يمكن أن توصف بأكثر من وصف واحد بحيث ينطبق عليها وصف جريمة الخيانة الزوجية إذا ثبت زواج احد طرفي العلاقة و تشكي الزوج المجني عليه. كما ينطبق عليها وصف جريمة الإخلال العلني بالحياء العام التي ينص عليها الفصل 483 من القانون الجنائي.
كما أن جريمة الخيانة الزوجية يمكن أن تثبت بمجموعة من القرائن الأخرى التي تفيد التلبس كأن يضبط الفاعلان في منزل واحد في وضع تعري أو ما يدل على ارتكاب الفعل الجنسي. و كل ذلك يدخل ضمن مرحلة البحث التمهيدي الذي يمكن أن تقوم به الضابطة القضائية.
4~ جريمة الشدود الجنسي.
الشذوذ الجنسي : مصطلحٌ مُستحدث يُطلق على كافة الممارسات الجنسية غير الطبيعية المخالفة للفطرة الإنسانية التي فطر اللهُ عَزَّ و جَلَّ الناسَ عليها .و يُعتبر الشذوذ الجنسي من وَجهة نظر الشريعة الإسلامية سلوكٌ خاطئ و حالة مرَضيَّة و ممارسة غير طبيعية ، و خُلُقٌ منحرف عن الفطرة الإنسانية السليمة ، و يُعَدُّ الشاذ جنسياً عاصياً لله جَلَّ جَلالُه فيستحق العقاب في الدنيا و الآخرة ما لم يَتُب إلى الله الغفور الرحيم . يمكن تعريف الشاذ جنسياً أيضا بالشخص الذي يستمتع جنسياً مع أناس من نفس جنسه ويسمى الفعل للرجال (لواطاً) وللنساء (سحاقاً). وهو نسبة إلى فعل قوم لوط.
والقانون الجنائي المغربي كبعض التشريعات الأخرى تنبهت إلى خطورة هذه الجريمة وتأثيراتها على النظام العام والأخلاق الحميدة أفردت لها عقوبة لكل من يمارسها وهي الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 1000 درهم. فما الركن المادي لهذه الجريمة وما عنصرها المعنوي؟
أ~ الركن المادي: يتكون الركن المادي لجريمة الشدود الجنسي من:
~ الفعل المادي: و يتمثل في أي فعل من أفعال الاتصال الجنسي بين شخصيين من جنس واحد مهما كانت طبيعتها و هدا يقتضي بالضرورة المساس بالجسم و العورة تحديدا، و لا يهم بعد ذلك إن كان هناك وطء أو اقتصر الأمر على ملامسة العورة ليس إلا، وقد تتم الممارسات الجنسية بين رجلين أو بين امرأتين لذا سنعرف بكل عنصر على حدى:
الممارسات الجنسية بين رجلين : يشكل اللواط الصورة المثلى للشذوذ الجنسي بين رجلين و يتمثل في إتيان الرجل للرجل من الدبر وقد تأخذ الجريمة أشكال أخرى مثل المداعبة و التدالك و الإيلاج الجنسي بالفم .. الخ.
الممارسات الجنسية بين امرأتين : يتمثل الركن المادي هنا في المساحقة ، ويقصد بها إتيان المرأة للمرأة ، و طالما أنه لا يمكن أن نتصور وطء بين امرأتين فإن المساحقة تقتصر على الأشكال الأخرى للشذوذ مثل المداعبة و التدالك و غير ذلك من ضروب الممارسات ذات المسحة الجنسية.
~ لا يشترط الإتصال الجنسي في هذه الجريمة أي ليس بالضرورة أن يكون هناك مواقعة جنسية بين الطرفين فمجرد القيام بتصرفات جنسية برضاء الطرفين تقوم جريمة الشدود الجنسي.
~ يشترط أن يتم الفعل برضاء الطرفين لأن بغير ذلك تقوم جريمة هتك العرض مع استعمال العنف.
~ لا يشترط توافر ركن الإعتياد بمعنى تقوم الجريمة ولو أن قام بها لأول مرة سيتابع بالشضوض الجنسي.
ب~ الركن المعنوي: يتمثل في القصد الجنائي العام وهو ركن يكاد يكون مفترضا إذ تقوم الجريمة بمجرد إتيان فعل من أفعال الشذوذ الجنسي ، وبعبارة أخرى الشذوذ الجنسي جريمة عمدية تتم بإرادة الطرفين وعلمهما بأن الفعل الذي يقومان به يشكل جريمة ومعاقب عليها.
5~ جريمة الإخلال العلني بالحياء.
أ~ الركن المادي: يتكون هذا الركن من أي فعل أو حركة أو اشارة يقوم بها الجاني، ويكون من شأنها خدش الحياء العام، فالشخص الذي يقوم بكشف عورته في الشارع العمومي، أو في مكان معرض لرؤية الجمهور، والشخص الذي يقبل امرأة بكيفية تثير الغريزة الجنسية والشخص الذي يعقد احدى يديه ويدخل فيها وسطي اصابعه الأخرى أو الراقصة التي تقوم برقصة هزة البطن بكيفية بديئة والشخص الذي يقوم بحركات تثير فكرة التمازج الجنسي كل هؤلاء يرتكبون جريمة الإخلال العلني بالحياء.
أما العلانية الركن المفترض في هذه الجريمة فيقصد بها أن تقوم الجيمة بحضور شخص واحد أو أكثر شاهدوا الفعل عفويا لأنه إذا قاموا بمشاهدة الفعل عمدا لا تقوم جريمة الإخلال العلني بالحياء.
وتعني العلنية أيضا مشاهدة الفعل بحضور شخص قاصر ، والقاصر في القانون المغربي هو الذي لم يبلغ 18 سنة وأن يتم الفعل المادي في الأماكن التي تتطلع فيها أنظار العموم.
ب~ الركن المعنوي: يشرط في هذه الجريمة القصد الجنائي العام بتوافر الإدراك والعلم بأن الفعل يشكل جريمة معاقبا عليها، كما يتطلب العمد في الجريمة لانه لا يمكن تصورها وقوعها الا عمدا.

6~ جريمة الفساد.
أ~ الركن المادي: يتحقق الركن المادي لجريمة الفساد بمواقعة الرجل للمرأة وذلك بإدخال عضوه التناسلي في عضو المرأة دون أن تربط بينهما علاقة الزوجية، لا يشترط إنتهاء العملية الجنسية أي دون أن يحقق الطرفين رغبتهما من هذا الجماع.
وهذا معناه أن هذه الجريمة لا تتحقق إلا بمواقعة دون غيرها من الأفعال ما لم تتوفر الأركان المكونة لجريمة الإخلال العلني بالحياء.
إضافة إلى ذلك ، فإن المشرع يشترط عدم وجود علاقة زوجية بين المرأة و الرجل المقيمين للعلاقة الجنسية، ومعنى هذا إن وجود عقد الزواج معناه انتفاء جريمة الفساد وان كان هذا الزواج فاسدا . نفس الشيء إذا تعلق الأمر بحدوث الوطء أثناء فترة العدة من طلاق رجعي حيث يعتبر الوقاع إذ ذاك بمثابة استرجاع للمرأة المطلقة إلى عصمته.
وللإشارة فإن أطراف جريمة الفساد دائما الرجل والمرأة.
ب~ الركن المعنوي : يتحقق الركن المعنوي لجريمة الفساد بتوفر القصد لدى كل من المرأة و الرجل في القيام بالمعاشرة الجنسية مع إدراكهما لحقيقة التصرف الذي يقومان به، وعلمهما بانعدام وجود رابطة الزوجية بينهما.
بتعبير أخر، فإنه يلزم أن يكون كل من الفاعلين عالما ومريدا لارتكاب لجريمة الفساد وثبت بالتالي الحق في مساءلة كل منهما ومعاقبته بما هو مقرر قانونا.
على أن وجود علاقة الزوجية ينفي تحقق الركن المعنوي وان كان الطرفين غير عالمين بها أو يجهلان وجودها بالتالي فلهما الحق في أتباتها ونفي جريمة الفساد عنهما. وذلك إما بغلط منهما أو من احدهما في شخص الأخر، أو بانتهاء عدة الطلاق الرجعي مع اعتقادهما انه لم ينتهي بعد.
وهكذا إذا تبت أن المتهمين تربطهما علاقة زوجية تعين الحكم ببراءتهما.
ج~ إتباث جريمة الفساد : أولا : محضر ضابط الشرطة القضائية المحرر في حالة التلبس، والذي يكتفي فيه الضابط بتسجيل الوقائع التي شاهدها بحيث يبقى للمحكمة السلطة و الصلاحية في اعتبارها تمثل حالة التلبس أم لا وبالتالي ثبوت جريمة الفساد في حق المتهم أو العكس.
ثانيا :الاعتراف المضمن في مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم ، و المقصود بدلك الاعتراف الصادر عن المتهم بالجريمة وذلك عن طريق الكتابة وبأية طريقة تمت بها. ويخضع الاعتراف المكتوب في قيمته الإثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة على أساس ليس حجة قاطعة وإنما يمكن استبعاده متى تبث أنه غير صحيح أو غير واضح . إضافة إلى ما سبق يمكن يمكن للمحكمة أن تأخذ بالاعتراف المكتوب بأكمله أو تقوم بتجزئته وتأخذ البعض دون الآخر .
ثالثا : الاعتراف القضائي هو ما يصدر عن المتهم من إقرار على نفسه بارتكاب الجريمة ويعد وسيلة من وسائل الإثبات والتي نص عليها المشرع في الفصلين 405 و 410 من قانون الالتزامات والعقود. ولكي يعتد بالاعتراف القضائي سواء بأكمله أو بجزئه يجب أن يكون صريحا وان يتعلق بالجريمة التي يحقق فيها دون غيرها .
و الشريعة الإسلامية بدورها تعاقب على جريمة الزنا ، وتشترط لذلك أن يتحقق الإقرار أو شهادة أربع شهود على حصول واقعة للزنا أمام أعينهم . فلماذا لم يأخذ المشرع المغربي بالشهادة كدليل إثبات على غرار الشريعة الإسلامية ما دام انه لا يتصور اتفاق أربعة أشخاص على الكذب بعد حلفهم لليمين ؟.
نتمنى أن أكون عند حسن الظن بالتوفيق مرة أخرى للجميع

الأحد، 24 ديسمبر 2017

تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص



المقدمـة:
ينشأ مشكل تنازع القوانين بمجرد ما أن يتضمن النزاع عنصرا أجنبيا أو عدة عناصر أجنبية تجعل القاضي ملزما باختيار القانون الواجب التطبيق.
وأمام حتمية الاختيار يلزم أن تطرح قاعدة القانون الدولي الخاص،أي قواعد الإسناد،عاملا للاختيار لذي يمكن القاضي من تطبيق قانون واحد بين القوانين المتنازعة. وعادة ما يكون أحد عناصر الحق هو العامل المعتمد عليه،والذي يكون قابلا لربطه بدولة ما،كالجنسية،أو موطن صاحب الحق،أو مكان وجود الشيء،أو مكان وقوع العقد...
فما هي إذن القواعد التي يتبعها القاضي في حله لمشكل تنازع القوانين؟.
المبحث الأول: إثارة نظام تنازع القوانين
تثار حتما إشكالية تنازع القوانين في النزاعات الدولية،أما تلك المتعلقة بالنزاعات الداخلية فالقاضي يطبق القانون المغربي دون أن تطرح مسألة اختيار القانون المختص.
فإذا أثار احد الأطراف اختصاص قانون فيما أثار الطرف الآخر اختصاص القانون المغربي،فالقاضي ملزم بإعمال قاعدة الإسناد لتحديد القانون المختص. هنا وجب التمييز بين الحالة التي دعا فيها أحد الأطراف إلى تطبيق القانون المختص وتلك التي لم يدع فيها أي طرف لذلك.
-1حالة إذا ما دعا فيها احد الأطراف تطبيق القانون المختص:
القاضي ملزم بالرجوع إلى قاعدة الإسناد المغربية قبل تطبيق القانون الأجنبي(عدم رفض تطبيق القانون الأجنبي عندما تعينه قاعدة الإسناد المغربية).
*كلا الطرفين طالبا القاضي بتطبيق القانون الأجنبي:
القاضي المغربي غير معفى من الرجوع على قواعد الإسناد وملزم بالرجوع إليها لأن مشرعه الوطني خاطبه بتطبيقها.
*كلا الطرفين طالبا بتطبيق القانون المغربي:
بما أن قاعدة الإسناد تعين القانون الأجنبي،فإن المشرع سكت عن هذه المسألة
وترك فيها الاجتهاد للقاضي،غير أن الفصل12 من ق.م.م الفرنسي نص على ان القاضي ملزم بالخضوع لرغبة الطرفين اللذين اتفقا على تطبيق القانون المغربي.
2-عدم إثارة أي طرف القانون الأجنبي:
ذهب الاجتهاد القضائي إلى انه تطبق تلقائيا قواعد الإسناد المنصوص عليها في ظهير 12 غشت1913 سواء طالب أم لا احد الأطراف بذلك. فكلما تضمن النزاع عنصرا أجنبيا،فقد ذهب الفقه إلى اعتبار قاعدة الإسناد من النظام العام،ولا خيار للقاضي في تعديلها أو إعمالها.
المبحث لثاني: تكييف النزاع الدولي المطروح:
أي نزاع مطروح يستوجب على القاضي اختيار الضوابط المنسجمة مع المسائل القانونية المطروحة في النزاع.
-نزاع داخلي: يتم الاختيار فقط بين مختلف القواعد المادية للنظام القانوني الداخلي.
-نزاع دولي:اختيار بين القانون الدولي الخاص (أية قاعدة إسناد يتعين تطبيقها على المشكل المطروح)
-المنهجية المتبعة: تكييف المسألة المطروحة (تصنيفها ضمن النوع المحدد قواعد الإسناد الموجودة) وتتطلب تحديد دقيق للموضوع ثم تصنيفه. بعد ذلك يجب على القاضي تحديد القانون الواجب التطبيق.
الفقرة الأولى: تحديد المسألة القانونية:
*موضوع التكييف: هو المسألة القانونية المطروحة التي تتكون مت ادعاء المشتكي ومن الوقائع التي يثيرها لتبرير ادعاءه،وهي مرحلة بسيطة لأن الأطراف يحددون الألفاظ المستعملة في المسألة القانونية المطروحة، في بعض الحالات يصعب ذلك خاصة حين يتضمن الطلب تعابير قانونية أجنبية،الشيء الذي يحتم معرفة المؤسسة قبل إمكانية التكييف. أيضا قد تكون المسألة المطروحة بتعابير عامة،حيث يقوم القاضي بتجزيئها إلى عدة مسائل قانونية تخضع لقوانين متعددة.
الفقرة الثانية:تصنيف المسألة القانونية:
بعد تحديد المسألة القانونية يجب تصنيفها ضمن التصنيفات المبينة بقواعد الإسناد (إشكالية التصنيفات المعقدة من طرف القاضي وكيفية اختيار قاعدة الإسناد).
اتفق الفقه ان تكون قاعدة التكييف طبق قانون القاضي،لأن هذه العملية متعلقة بتأويل إرادة مشرع قواعد الإسناد المطبقة التي لا يمكن ان تكون إلا قاعدة القاضي. هذا من جهة،ومن جهة أخرى فبدون الرجوع إلى قانون القاضي في تكييف المسألة القانونية،يخشى الوقوع في حلقة مفرغة.
هنا يطرح إشكال غياب موضع للمسألة القانونية يمكن تكييفها ضمن تصنيفات القاضي:
هذه الحالة متعلقة بكون القاضي يتسم بالشمولية أو النقصان،وإن كان من الناحية العملية فالمسألة القانونية تطرح إمكانية إدراجها ضمن صنفين أو أكثر، هنا يتعين اختيار أحدها.
-يتم التصنيف غالبا بالرجوع إلى المؤسسات القانونية المعروفة لدى القاضي طبق قانونه (الزواج،العقود...).
-إلزام تغطية قواعد الإسناد المحلية لمجموع المسائل القانونية المطروحة عامة. والحالة الأكثر شيوعا هي أن يدرج القاضي مؤسسة قانونية ضمن صنفين من التصنيفات التي وضعها مشرعه، وكل تصنيف إلى تطبيق قانون مغاير للذي حدده التصنيف الآخر. هنا يجب على القاضي اختيار أحد هذه التصنيفات اعتمادا على العنصر الأولي والأساسي في المسألة القانونية.
المبحث الثالث: تحديد النظام القانوني المختص (تطبيق قاعدة الإسناد)
الفقرة الأولى: التحليل الهيكلي لقاعدة الإسناد:
قاعدة الإسناد: هي قاعدة قانونية ترشد القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على المراكز القانونية على المراكز القانونية ذات العنصر الأجنبي. إن قاعدة الإسناد باعتبارها كباقي القواعد القانونية فإنها تقوم على ركنين،ركن الافتراض وركن الأثر القانوني،غير أن اركن الافتراضي لقاعدة الإسناد يشمل عنصرين: ضابط الإسناد والفكرة المسندة.
أما ركن الأثر القانوني فيتمثل في تعيين القانون الواجب التطبيق.مثال:الفصل3 من الظهير المنظم للوضعية المدنية للجانب والفرنسيين12 غشت1912)ينص على: "تخضع الأحوال الشخصية والأهلية الشرعية للأجانب والفرنسيين لقوانينهم الوطنية" الفكرة المسندة هي"الأحوال الشخصية والأهلية الشرعية". وضابط الإسناد هو "القانون الوطني""
الفكرة المسندة: هي الفئات المختلفة التي تتولى قواعد الإسناد بتصنيف عدة مراكز وعلاقات قانونية إليها. وكل فكرة مسندة تضم مجموعة من المراكز مسندة ضابطا خاصا يسندها إلى قانون معين.
ضابط الإسناد: هو المرشد والمعيار المختار الذي يستهدي به القاضي إلى القانون الواجب التطبيق على الفكرة المسندة،حيث تتعدد صوره فنجد:
*إسناد بسيط: بحيث تتضمن القاعدة ضابط إسناد واحد
*إسناد مركب: ويتكون من نوعين :
الإسناد الموزع: وهو قاعدة إسناد وحيدة تحيل إلى اختصاص قوانين عدة
الإسناد التخييري: تتضمن القاعدة ضوابط إثبات متعددة تخييرية
الفقرة الثانية:خصائص قاعدة الإسناد:
من خصائص قاعدة الإسناد أنها:
*قواعد وطنية: مصدرها داخلي،غير العديد منها تستمد مصدرها من المعاهدات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الخاص التي تنقسم إلى: نوع يهدف إلى توحيد قواعد الإسناد لقواعد إسناد واحدة في كل دولة متعاقدة (معاهدة روما حول القانون المختص على الالتزامات التعاقدية). ونع من المعاهدات تضع قواعد مادية موحدة تستوجب إعمالها في جميع الدول المتعاقدة (معاهدة الأمم المتحدة بشان البيع الدولي للبضائع المادية المنقولة.)
*قواعد مزدوجة الجانب: يمكن أن تشير إلى اختصاص قانون القاضي أو القانون الأجنبي.
*قواعد محايدة: دورها هو تحديد القانون الأقرب صلة بالمركز القانوني من وجهة نظر المشرع الوطني بغض النظر عن مضمون القانون وآثار تطبيقه.
المبحث الرابع: تطبيق القانون الأجنبي:
هناك اختلف الفقهاء حول اعتبار القانون الأجنبي قانونا (صادر عن الدولة) او واقعا(تشبيهه بالعقد).ولتوضيح هذا الاختلاف بين واقعية وقانونية القانون الأجنبي سنتطرق إليه من ثلاث زوايا: عبء الإثبات-مسطرة الإثبات وتأويل القانون الأجنبي.
1-عبء الإثبات:
في حالة إثارة أحد الأطراف اختصاص القانون الأجنبي أو التصريح التلقائي للقاضي بذلك،وأمام جهل القاضي بمضمونه،من يقع على عاتقه إثبات مضمون القانون؟ الذي طال بتطبيقه،أو الطرف الآخر،أو القاضي؟
-فرنسا قبل1988: يقع عبء الإثبات على الطرف الذي يخضع مضمون ادعائه القانون الأجنبي،في حالة تعذر ذلك فإن القاضي يطبق القانون الفرنسي إذا كان المعني بالأمر حسن النية،عكس ذلك (تعمد عدم تقديم إثبات القانون الأجنبي لأن تطبيق القانون الفرنسي في صالحه) فالقاضي يعلن أن الدعوة غير مؤسسة.
بعد اكتوبر1988: القاضي ملزم بالبحث تلقائيا عن مضمون القانون الأجنبي. غير أن الرجوع إلى الشهادة العرفية هو منتقد عمليا لعدم حياد محرر الشهادة(يروم من خلالها تأييد وجهة نظر طالبها. لذا في حالة إذا أدلى كلا الطرفين بشهادتان متناقضتين على القاضي إجراء مقارنة لاستنتاج الأصح بمقارنة قيمتها الرسمية او الرجوع إلى خبير أو طلب شهادة عرفية. كما يمكن للقاضي استشارة خبير او مستشار قانوني لتوضيح مضمون القانون الأجنبي.
2-طرق الإثبات:
يتوفر الأطراف على وسيلة لإثبات مضمون القانون الأجنبي وهي الشهادة العرفية: تحرر باللغة العربية او تترجم إليها وتنجز من طرف القنصلية او سفارة الدولة الأجنبية بالمغرب،حيث تكون مقتضبة وتقتصر فقط على النصوص القانونية المطبقة على النزاع . أما إذا حددت من طرف رجل القانون فيمكن أن تشمل إضافة إلى النصوص القانونية،اجتهادات القضاء الأجنبي في الموضوع.
3-تأويل القانون الأجنبي:
مهمة القاضي وهي تختلف عن تلك التي يقوم بها أثناء تفسيره للقانون المغربي (احترام القانون المغربي بمفهومه الضيق) إذ أن وفي حالة تطبيق القانون الأجنبي بموجب قاعدة الإسناد،القاضي ملزم أن لا يعطي للقانون الأجنبي مفهوما آخر غير الذي أعطي له من طرف الاجتهاد القضائي لنفس الدولة،إذن محدودية تفسير القاضي لمضمون القانون الأجنبي. هنا يجب الإشارة إلى خضوع قضاة الموضوع لرقابة المحاكم العليا حين تفسر القاعدة القانونية الأجنبية والتي تستوجب التمييز بين ثلاث مراحل:
أ-مرحلة الحماية:
أمام تباين مسطرة النقض حيث البث في طلبات النقض كان لمحكمة النقض الفرنسية التي كانت تعتبر الخطأ في تطبيق القانون الفرنسي موجبا للنقض أي تعتبره مسألة قانون في مواجهة الحكام النهائية الصادرة عن المحاكم العصرية المغربية في المنازعات ذات العنصر الأجنبي من تلقاء نفسه بل بطلب من الخصوم وله كامل الحرية بتطبيقه بالطريقة التي يراها،مما استوجب ضرورة تأسيس محاكم نقض مغربية للنظر في طلبات النقض هاته.
ب- مرحلة بعد تأسيس المجلس الأعلى:
(ظهير27شتنبر1957 المؤسس للمجلس الأعلى) أصبح المجلس الأعلى يمارس رقابته على تطبيق القوانين الأجنبية المتعلقة بالأحوال الشخصية(الفصل13 من الظهير23شتنبر1957)،أما فيما عدا ذلك فهو حر في تمديد رقابته عليه او ترك ذلك لتقدير محكمة الموضوع من خلال اعتبار القانون الأجنبي مجرد واقعة، دون إخضاع قرارها للمراقبة.
ج- بعد صدور ظهير المسطرة المدنية:
(ظهير28شتنبر1974) أحدث هذا الظهير تغييرا جذريا في مجال الرقابة المفروضة من طرف المجلس الأعلى على تطبيق القانون الأجنبي(الفصل359) عند تبيان أسباب طلب النقض لم يذكر خرق القانون الأجنبي المتعلق بالأحوال الشخصية مما يستلزم رقابة غير مكرسة قانونا.
ومن خلال اجتهادات المجلس الأعلى في الموضوع يتبين أنه مازال يعتبر ان خرق القانون الأجنبي الشخصي موجب للنقض رغم حذف هذا السبب من ق.م.م مستندا في ذلك على السبب الأول المضمن في فصل 395 ق.م.م وهو خرق القانون الداخلي التي هي قواعد الإسناد النصوص عليها في ظهير 12غشت1913 حيث من خلال رقابة المجلس الأعلى لكيفية تطبيق القاضي لقاعدة الإسناد المغربية كان يمدد رقابته لتشمل القانون الأجنبي.
المبحث الخامس: استبعاد القانون الأجنبي:
هناك حالات يستبعد القاضي تطبيق قانون أجنبي تعينه قاعدة إسناد،في قضية تتضمن عنصرا أجنبي. أسبابها: استحالة تطبيق القانون الأجنبي-التحايل على القانون-تعارضه مع النظام العام.
1-استحالة تطبيق القانون الأجنبي:
وذلك في ثلاث حالات هي:
-تعذر تعيين القانون المختص بسبب انعدام أحد العناصر التي يتوقف عليها إعمال قاعدة الإسناد (القانون المختص هو القانون الوطني الشخصي-الشخص بدون جنسية).
-تعذر تعيين مضمون القانون الأجنبي (نادر الحصول لوفرة وسائل الاتصال)
-إغفال الخصوم التمسك بالقانون الأجنبي.
2-النظام العام:
أ-مفهوم النظام العام ودوره:
النظام العام هو نظام متعدد الجوانب (خلقي،اجتماعي، اقتصادي،سياسي) أي لا يمكن حصره في دائرة معينة وهو مختلف من حيث المكان (من دولة لأخرى) ومتغير مع الزمان (يقدره القاضي وقت المنازعة المطروحة لديه). والدفع بالنظام العام هو وسيلة قانونية يستبعد بها القاضي الاختصاص المعقود للقانون الأجنبي متى تعارضت أحكامه مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام المجتمع في بلد القاضي).
عن فكرة إعمال النظام العام في مجال تنازع القوانين لا يكون في مرحلة وضع قواعد الإسناد بل في مرحلة إعمالها وتطبيق أحكام القانون الأجنبي التي تسند إيه والدفع يكون باستبعاد القانون الأجنبي بتطبيق قانون القاضي حيث يكون هذا الإجراء استثنائيا.
ويشترط في ذلك (الدفع بالنظام العام) أن يكون القانون الأجنبي واجب التطبيق وفق قاعدة الإسناد في قانون القاضي وأن يتوافر مقتضى من مقتضيات النظام العام يستدعي استبعاد تطبيق القانون الأجنبي. غير أن المقتضيات غير محددة حيث يرجع للقاضي مسألة تقديرها من خلال استنباطها من المكونات الأساسية والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع والتي تخضع لرقابة المجلس الأعلى. وللنظام العام ثلاثة أدوار:
1-يعمل على إبعاد القوانين الأجنبية التي تتضمن حلولا ظالمة أو مناقضة للقانون الطبيعي.
2-ضمان حماية المبادئ (الأسس الاجتماعية والسياسية للدولة المغربية كالدين واللغة ...)
3-حماية بعض أنواع السياسة التشريعية.
ب-أثر الدفع بالنظام العام:
وجب التمييز هنا بين الدفع أمام القاضي بشأن علاقة تمت في بلده وأن يثار الدفع بشأن علاقة تمت بالخارج ويراد التمسك بآثارها في بلده.
-الحالة الأولى:
أثر الدفع بالنظام العام لاستبعاد القانون الأجنبي وتطبيق قانون مكانه.
-الحالة الثانية:
أثر الدفع بالنظام العام بمناسبة التمسك في بلد القاضي بحق اكتسب في الخارج،يبحث القاضي هنا هل نفاذ الحق في بلده يخالف النظام العام في بلده أم لا،هنا يكون أثر الدفع مخففا في بعض الحالات التي لا يتعارض فيها نفاذ الحق مع مقتضيات النظام العام أما إذا تحقق التعارض يتحرك الدفع ويمنع التمسك بآثار الحق(جزاء مخالفة النظام العام لا يكون بطلان العلاقة وإنما عدم سريان آثارها في بلد القاضي-طلاق الأجانب بفرنسا قبل1884).
مفهوم النظام العام:
هو مفهوم حاضر في جميع المنظومات القانونية وهو نسبي وغير قار حيث يتباين من مجتمع لآخر ومتباين من زمن لآخر حتى في نفس الدولة. تروم فكرة النظام العام إلى صيانة المجتمع الوطني ورعاية الأسس القانونية والمصالح الجوهرية بغض النظر عن مجال استخدام هذا المفهوم. هنا وجب التمييز بين النظام العام الداخلي (مجموع القواعد القانونية الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها دورها الحد من سلطان الإرادة). والنظام العام الدولي(وسيلة لاستبعاد القانون الأجنبي المعين بموجب قاعدة الإسناد الوطنية حين تخالف مقتضياته الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية لمجتمع دولة القاضي).
تاريخ تطور مفهوم النظام العام المغربي:
فترة الحماية:
ظهير12-8-1912 كان الأساس أن فكرة النظام العام الدولي لا دور لها في المغرب في مادة الأحوال الشخصية(الفقيه الفرنسي جوزيف دولابراديل) سنة1936 تم التراجع عن هذه الفكرة.
-بعد الاستقلال:
بداية التحول (صدور ظهير24-4-1959):بدأت المحاكم الشرعية تنظر في الأحوال الشخصية للأجانب المسلمين،وسنة1965 تمت توحيد القضاء ومغربته،وصدر أول دستور للمملكة سنة1962 (واجب القاضي استبعاد كل قانون أجنبي يخالف المبادئ العامة المقررة في الدستور)

الجهوية الموسعة في المغرب -مفهومها - اختصاصاتها- طبيعتها -دوافعها واهدافها


مقدمة:
يعرف موضوع الجهة اهتماما متزايد ا ليس فقط في المغرب، بل بمختلف بقاع العالم كإطار ملائم لبلورة إستراتيجية بديلة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية والمحلية. و تقوم على تعبئة المواد و الطاقات المحلية من أجل ترسيخ الديمقراطية و تطوير البناء الجهوي، و تهتم دول العالم في عصرنا الحالي اهتماما متزايدا بالمؤسسة الجهوية كإطار ملائم للمساهمة في بلورة استراتيجيات جديدة للتنمية و قد تبنتها ألمانيا في دستور 1949 و إيطاليا في دستور 1948 و إسبانيا في دستور 1978 أما في المغرب فقد غدت سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي موضوع الخطب السياسية و التحاليل الأكاديمية بعد وضع دستور 1992 و 1996 و قانون تنظيم الجهات 96-47 في أبريل 1997 و بالتالي أصبحت الجهة في المغرب مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تساهم في النمو اقتصادي حيث أن نجاح أي مشروع رهين بوجود نصوص قانونية تنظمه و تسهر على تطبيقه دون إخلال أو تهاون و بالتالي سنحاول من خلال هذا العرض إلقاء الضوء على مفهوم الجهة باختلافها وإشكاليات تعريفها، مرورا بمراحل ترسيخ هذا النظام الجهوي بالمغرب ودوافعه وما حققته هذه التجربة على مر تاريخنا المعاصر، كما سنعمل على استعراض تجربة بعض الدول الأروبية على سبيل المقارنة للوقوف على مفهوم الجهوية بهذه الدول وتمثل مفهوم وممارسة الجهة بين كل من دول العالم المتقدم والنامي.
ولعل بروز مفهوم الجهة على السطح مرة أخرى بالمغرب، خير دليل على استشعار السلطات الوصية بأهمية هذا الكيان السياسي في تحقيق التنمية المحلية والجهوية ومن خلالهما التنمية الوطنية. من هنا جاء مفهوم الجهوية الموسعة الذي أعلن عنه جلالة الملك في الأيام القليلة الماضية بمناسبة الذكرى 33 لانطلاق المسيرة الخضراء معلنا بذلك ضرورة تبني مفهوم مغربي – مغربي للجهة الموسعة منطلقا من خصوصيات محلية من اجل تحقيق التنمية المنشودة.

I.مفهوم الجهة و تطوره عبر التاريخ
I.مفهوم الجهة:
اختلف مفهوم الجهة باختلاف الأشخاص المعرفة له فمفهوم الجهة يفيد معنيان الأول يفيد(régionalisme) و يعني مجموعة متماسكة ذات أهداف سياسية دفاعية و قد تتحول إلى توجه سياسي أما المعنى الثاني فيفيد(régionalisation) معناه الإطار و المجال الإداري و الاقتصادي رغم أن الجماعة المحلية هي نتائج بيئة سياسية تساهم في تأسيس المواطنين بصفة عامة. و تبدو الجهوية أنها توزيع لأنشطة الدولة على المستوى الجهوي بطريقة إدارية و بالتالي فالجهة هي مجموعة منسجمة تهدف إلى تحقيق تكامل اقتصادي و اجتماعي و إداري و تنموي على نماء الوطن بالإضافة إلى كونها هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا اقتصاديا و سوقا مجاليا تحدد بتداخل الظروف الطبيعية و البشرية و كذلك بالنشاط الاقتصادي للسكان و سلوكا تهم الاقتصادية.
II.إشكالية تعريف الجهة الاقتصادية:
إذا كانت الجهة هي الجزء من التراب الوطني الذي يشكل نسقا اقتصاديا وسوقا مجالية تحدد بتداخل الظروف الطبيعية والبشرية وكذلك بالنشاط الاقتصادي للسكان وبسلوكاتهم الاقتصادية فإن الكثير من المنظرين يضيفون لهذا التعريف ما يغنيه ويوسعه وأحيانا يعقده فـ juillard. مثلا يعتبر الجهة كمجال وظيفي باعتباره حقلا لحركة التيارات المختلفة، وهي تبرز بمركزها كما تبرز بشبكاتها المختلفة ذات الطاقة التنظيمية المتمثلة في الإشعاع الذي تخلقه الصناعة والأنشطة الدائرة في فلكها، والقدرة على الجذب التوافدي للمراكز الحضرية وكذا العلاقات التجارية وامتداد ظهير الموانئ .
وبالرجوع إلى الجغرافية الفرنسية Beaujeu-Garnier التي جعلت الجهة أداة للحركة أي إنها مجال خاضع لقرارات التخطيط، بمعنى أن الجهة قرار إداري سياسي يجعلها هدفا بدل إن تكون إطارا. وهذا ما يجعل مقولة P.CLAVAL بأن الجهة الاقتصادية تتولد من تنظيم حركات البضائع والخدمات حول المدن الأكثر دينامية.
يمكننا تميز ثلاث مراحل في تطور دراسة الجهة الاقتصادية:
أ‌. المرحلة الأولى: انطلقت مع تخمينات المبتدئين(WAUBAN, L.BROCARD) ومحاولات التعريف الجزئية انطلاقا من مجالات إشعاع التجمعات الحضرية الكبرى (A.Losch, R.Vining) أو من المبادلات الداخلية للجهة ومدى اكتفائها الذاتي (W.Liontieff) وتنتهي المرحلة عند المحاولة التركيبية لتعريف الجهة مع P.Bauchet الذي يعتقد بأن الحدود الجغرافية للجهة الاقتصادية تستطيع أن تدقق بتحليل لثلاث وجهات نظر متقاطعة:
سلوك الأفراد
شبكات إشعاع المدن السائدة بالجهة.
الاكتفاء الذاتي للجهة
ب‌. المرحلة الثانية: تمت خلالها محاولة صبغ المفهوم بالنسبية على شكل تعميم مبسط للفكر (W.Isard) المؤسس للعلم الجهوي وهي المرحلة التي تتلائم و المفهوم المغربي للجهة الاقتصادية حيث تنطلق الجهة من الفكر نحو المجال بدل الارتفاع من المجال نحو الفكر.
ج‌. المرحلة الثالثة: حيث اعتمدت المفاهيم الأكثر حداثة على الإجرائية مع J.Boudeville وعلى تحليل المجالات الاقتصادية مع F.Perroux وهي مرحلة وافقت درجة تطور الجهوية لدى البلدان المتقدمة التي تجاوزت مرحلة التقسيم والتحديد إلى مرحلة التنمية الفعلية والتنمية المتجددة.
على أن إشكالية التقسيم الجهوي لازالت مطروحة حي في البلدان المتقدمة بحدة اقل، مما دفع Isard (1975) إلى الفصل بين الحدود الإدارية وبين الحدود الفعلية للقضايا التنموية المطروحة قائلا: في بعض الحالات نترك الأحداث ترسم جهات أخرى عندما لا تتلاءم النطاقات الموجودة مع المشكل المطروح.
III. التجربة الجهوية ببعض الدول الأروبية
بعد هذا التقييم المختصر للتجارب المغربية السابقة في مجال الجهوية فإننا سنحاول التطرق إلى تنظيم واختصاصات الجهة في بعض الدول المتقدمة كألمانيا، ايطاليا، اسبانيا وفرنسا لمقارنتها بما هو عليه الحال بالمغرب.

1.اختصاصات وتنظيم الجهة بالدول الأروبية
بخصوص اختصاصات وتنظيم الجهة سنحاول من خلالها تسليط الأضواء على مكانة الجهة داخل التنظيم الإداري والسياسي في بعض الدول المتقدمة.
هذا ويجب التذكير بأن الجهوية بالمفهوم الحديث تقوم على أساس وجود جهة مستقلة عن السلطة المركزية لها اختصاصات محددة وموارد مالية وبشرية تسمح لها بتسيير أمورها باستقلالية وحرية في إطار من المسؤولية، غير أن وضعية الجهة والحرية التي تتمتع بها تختلف من دولة إلى أخرى وذلك حسب شكل الدولة فيدرالي او موحد وكذلك حسب أساس شرعية وجودها دستوري او قانوني وكذلك حسب طبيعة العلاقة التي تربطها بالسلطة المركزية والجماعات المحلية الأخرى.
وسنعمل في هذا المحور على التركيز على نقطة أساسية متمثلة في الوقوف على اختصاصات الجهة في هذه الدول باعتبارها انعكاسا للجهة كممارسة، متجاوزين بذلك بعض النقاط الفرعية، لا نرى بدا من معالجتها في هذا العرض كمبررات الجهوية بالدول الأروبية وأساس شرعية الجهوية...
ان الدستور هو الذي المحدد الرئيسي لاختصاصات الجهة في إطار الجهوية السياسية، بينما يحدد القانون العادي اختصاصات الجهة في إطار الجهوية الإدارية. والاختصاصات التي تتمتع بها الجهات في إطار الجهوية السياسية ليست فقط اختصاصات إدارية وإنما تشمل اختصاصات تشريعية وقضائية.
ففي ألمانيا فان الجهات LANDERS تتمتع باختصاصات تشريعية وقضائية وإدارية، وان كان مجال السلطة الفدرالية أوسع حيث تتوفر على الاختصاص العام باستثناء الميادين التالية: التعليم والثقافة والشرطة والجماعات المحلية، غير إن الجهات تتوفر على سلطة مراقبة التشريع الفدرالي من خلال المجلس الفيدرالي التي تمثل فيه الجهات، غير أن الجهات ملزمة باحترام المبادئ الدستورية عند ممارستها للاختصاصات التشريعية.
وفي المجال القضائي، فإذا كانت الجهة تتوفر على محاكمها الخاصة سواء العادية أو الدستورية فإنها تخضع لمراقبة القضاء الفيدرالي.
أما في ما يتعلق بالاختصاصات الإدارية فالجهة تتوفر على الاختصاص العام، بحث أن الإدارة الاتحادية لا تتوفر على مصالح خارجية لها بالجهات، كما أن الإدارة الجهوية تعتبر المنفذ للقوانين الفدرالية وهذا الاختصاص العام يشمل جميع الميادين باستثناء السياسة الخارجية والدفاع والحقوق المدنية والسياسات النقدية والجمارك والحدود والنقل الجهوي.
أما بخصوص اختصاصات الجهات بايطاليا فهي أوسع بالمقارنة مع أكثر الدول الأوربية بحيث تمارس تقريبا نفس الاختصاصات التي تمارسها الدويلات في إطار الاتحاد الفدرالي، لهذا فإننا نجدها تتوفر على اختصاصات تشريعية، قضائية وإدارية بالإضافة إلى توفرها على حق اقتراح القوانين كما أنها تشارك في انتخاب رئيس الدولة. وهي تمارس وظيفة تشريعية أصلية في الميادين التي حددها الدستور وعلى وظيفة تشريعية تكميلية للوظيفة التشريعية للدولة، وهذه الوظيفة الأخيرة تتسع أكثر بالنسبة للجهات ذات النظام الخاص، غير أن هذه الوظيفة محددة ببعض القواعد والمبادئ العامة والدستور.
أما فيما يخص مجال السلطة التشريعية الجهوية فقد حددها الفصل 117 في الميادين التالية: تنظيم الإداري الجهوية ومصالحها، الأعمال الخيرية والمساعدة الصحية والاجتماعية، التعليم المهني، التعمير وإعداد التراب الوطني، الطرق الجهوية، الملاحة والموانئ، الفلاحة والغابات والصناعات التقليدية. أما في اسبانيا فان اختصاصات المجموعات المستقلة واسعة أيضا بحيث أن الدستور الاسباني حدد لائحتين لائحة خاصة باختصاصات السلطة المركزية ولائحة خاصة بالمجموعات المستقلة، كما أن السلطة المستقلة يعطيها الدستور حق تفويض جزء من اختصاصاتها لفائدة الجهات، لهذا نجد أن المجموعات المستقلة تتمتع باختصاصات تشريعية في ميادين محددة دستوريا أو تلك المفوضة، من طرف السلطة المركزية كما تمارس سلطة تشريعية تكميلية، بحيث تحدد القواعد والإجراءات التشريعية التنظيمية لتكملة القوانين الوطنية. وميادين السلطة التشريعية هي حسب الفصل 143 ما يلي: الأشغال العمومية، المياه والغابات، الصحة العمومية، المكتبات والسياحة.
أما فيما يتعلق بالاختصاصات التي يمكن للسلطة المركزية تفويضها إلى الجهات نجد من بينها التشريع التجاري والمدني، التربية، الأمن العمومي وتنظيم الاقتصاد.
أما الاختصاصات الإدارية فهي مرتبطة بالاختصاصات التشريعية، كما انه بمقتضى الدستور يمكن للدولة أن تفوض إلى الجهات بعض اختصاصاتها الإدارية. وفي هذا الإطار نجد الاختصاصات المتعلقة بتنفيذ قانون الشغل والضمان الاجتماعي ونظام الإعلام والإذاعة والتلفزة.
هذا وتجدر الإشارة انه بالنسبة للمجموعات المستقلة في اسبانيا فإنها تتوفر هي الأخرى على حق تقديم اقتراحات القوانين، كما أنها تشارك في رسم السياسة المالية والجبائية للدولة من خلال مشاركتها في المجلس الوطني للسياسة المالية.
أما اختصاصات الجهة في إطار الجهوية الإدارية كفرنسا فإنها لا تتوفر إلا على اختصاصات إدارية محدودة بواسطة القانون العادي، هذا وحسب إصلاح 1982 فان الجهات الفرنسية تتمتع باختصاصات أصلية كتلك المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والتخطيط، أما فيما يتعلق بالاختصاصات المحولة فهي المتعلقة بالتكوين المهني والتربية والاختصاصات المتعلقة ببعض جوانب إعداد التراب الوطني.
من خلال ما سبق، نلاحظ أن تطور الجهوية في الدول الديمقراطية قد لا يرتبط بشكلها السياسي وإنما بدرجة ومستوى وتجدر الممارسة الديمقراطية فيها، كما أن هذا التطور يتوقف على وجود الإرادة السياسية الصادقة للمشرع لإعطاء الجهة مكانة سياسية متميزة داخل التنظيم السياسي والإداري وكذلك على ما تتوفر عليه من موارد مالية بحيث أن هذا العنصر الأخير هو الذي يحدد الطبيعة الحقيقية للجهوية ومستوى تطورها فالنظام المالي يعتبر العنصر الفاصل في نجاح التجربة الجهوية في أي دولة كيفما كان شكلها فدرالي أو موحد. ومن خلال هذه الدراسة المقارنة نلاحظ أن التجربة الجهوية في الدول المتقدمة تتميز بما يلي:
الطبيعة الديمقراطية للتنظيم الجهوي
التحديد الدقيق لاختصاصات الجهة
الدور المحدد للسلطات المركزية في الشؤون الجهوية.
IV.مراحل ترسيخ التنظيم الجهوي بالمغرب:
إذا كانت سياسة الجهوية هي أداة لتحقيق تنمية شاملة و متوازنة فإنها لا تنشئ من فراغ بل هي عبارة عن تطور متتالي لحلقات تستند كل مرحلة فيها إلى سابقتها و تكون أساسا لما سيعقبها.

I.مرحلة ما قبل الحماية:
في هاته المرحلة أثارت الجهوية نقاش بين من يسير في اتجاه نفي وجود تنظيم إداري وإقليمي، فبالأحرى نظام الجهة، واتجاه يرى أن المغرب عرف نظاما للجهة قبل الحماية الفرنسية. وقد عرف المغرب فكرة الجهوية منذ القديم حيث كان التقسيم يقوم على أساس قبلي نتيجة كبر المساحة إلا أنه خلال مرحلة ما قبل الحماية لم يكن هناك تنظيم جهوي بمفهومه الحديث بل كانت كل التنظيمات تعتمد على الأسس القبلية و الجغرافية .
II. مرحلة الحماية:
بعد توقيع معاهدة فاس 1912، بسط الاستعمار نفوذه على المغرب محاولا مس هويته الإسلامية والعربية، وانتهج سياسة فرق تسد من خلال تغييرات مستوردة على التنظيم الجهوي السائد قبل الحماية.
وتميزت سياسة الجهوية إبان فترة الحماية بالحداثة إلا أنها جاءت في مراميها مناقضة للمعنى القانوني للجهة، بحيث لم تكن للجهة في ترسانة مؤسسة الحماية إدارة مركزية وإنما آلية للتأطير والتحكم السياسي والعسكري اللازمين لتهدئة البلاد، وقامت مراقبتها من طرف المستعمر وذلك بإحداث جهات عسكرية وأخرى مدنية واستعملت الجهة كإطار لعدم التركيز في نطاق الاعتبارات العسكرية والاستعمارية دون أي اعتبارات اقتصادية واجتماعية "منذ سنة 1922، اقترح جغرافيان تابعان للحماية، ج. هاردي وج.سيليري، توزيعا جهويا للمغرب حسب مجموعات كبرى، هي في الواقع جهات "طبيعية". ويرجع هذا التقسيم إلى بحث استكشافي أكثر مما يعود إلى تحليل للتراب. وهذه تسميات الجهات الستة:
- جهة الشمال، وتضم الريف وضفاف البحر الأبيض المتوسط،
- حوض سبو،
الميسيطا المغربية او المغرب الأوسط،
جبال الأطلس،
المغرب الشرقي،
المغرب الصحراوي.
وبعد أزيد من عشرين سنة من ذلك، اي سنة 1948، أعاد ج.سيليريي نفسه التقسيم ذاته؛ الا انه أضاف إليه جهتين جديدتين، اذ احدث تقسيما داخل وسط المغرب وجبال الأطلس. وهكذا، وفيما يخص وسط المغرب، ميز بين السهول الاطلنتية من الرباط إلى الصويرة كمجموعة ساحلية ؛ والهضاب والسهول العليا شبه الأطلسية والتي يتكون منها الداخل. أما فيما يخص جبال الأطلس، فقد ميز بين الأطلس المتوسط و الأطلس الكبير.
ويبقى هذا التقسيم الجهوي، رغم ما عرفه من تحسينات، تقسيما غير دقيق. فسوس، على سبيل المثال، غير معزولة وأدمجت في جهة المغرب الصحراوي. ذلك ان ما يفرض تحديد الجهات هي التناقضات الطبيعية الكبرى. ولطالما سوف تستمر هيمنة العناصر المادية هاته لتشكل على مدى عقود، المقياس المعتمد في تحديد الجهوية.
وبالفعل فإننا نلاحظ اعتماد مصطلحات ترتبط بوصف التضاريس او الجيولوجيا في تسمية الجهات: حوض وميسيطا وسلاسل جبلية. وتوظف كذلك عناصر التوجيه توظيفا مهما: جهة الشمال، ووسط المغرب، والمغرب الشرقي. وهذه أمور لها دلالة إستراتيجية، إذ أن الهدف من التقسيم هو الهيمة العسكرية وليس تحليلا معقلنا لمكونات هذه المجموعات الجهوية.
وفي سنة 1950، وضع ف.جولي في مجلة جغرافية فرنسية (المعلومة الجغرافية) جدولا "للجهات الجغرافية في المغرب". وهو جدول يعتمد اعتمادا كبيرا على الفضاءات الطبيعية. وبعد عشر سنوات من ذلك أي سنة 1960، نشر المؤلف نفسه خريطة حسب السلم 1:1000000 لاستغلال التربة في المغرب تضم تقسيما دقيقا مفصلا، مصحوبا بتعليق موجز؛ إلا انه لا يغطي سوى الجزء الشمالي من البلد.
وفي سنة 1964، اقترح أول كتاب مدرسي عن جغرافية المغرب المستقل ووجه لتلاميذ المدارس الثانوية (مارتان ولآخرون 1964) تصورا يقسم البلاد إلى اثني عشر جهة. وتهيمن على هذا التقسيم التسميات الطبيعية: جبال الريف، وسهول المغرب الشمالي وهضابه، والأطلسين المتوسط والكبير، وكتل الاطلنتي، وسهول المغرب الداخلي، والسهول الاطلنتية الوسطى وهكذا... وحدها الجهات التي سميت بالغرب و"الدار البيضاء" تحيل على عنصر بشري وتشكل استثناء في هذه التسميات.
وفي سنة 1967، ظهر كتاب ج. ديبوا رينال، (جغرافية إفريقيا الشمالية الغربية). وهو كتاب يغطي مجموع البلدان المغاربية، ويقسم المغرب تقسيما جهويا يختلف قليلا عن تقسيم هاردي وسيليريي الذي وضع قبلة بخمس وأربعين عاما. استمرت في هذا الكتاب هيمنة التسميات الطبيعية رغم ظهور محتشم لمفهوم "الجبال الرعوية" عند الحديث عند الحديث عن جبال الأطلس المتوسط ووسط الأطلس الكبير وشرقه. وهو مفهوم يدمج عامل"نمط.العيش".
من هنا يتضح أن الجهوية في عهد الحماية لم تكن تعني تنظيم وإعادة هيكلة المجال بصفة عامة بقدر ما كان التقسيم الجهوي الذي اعتمدته سلطات الحماية الفرنسية ذا اعتبارات عسكرية وأمنية بالأساس. وعمل المستعمر على طمس روح النظام المحلي الجهوي الذي عرفه المغرب وحلت أنظمة إدارية جديدة مستمدة من النظام الفرنسي محل أساليب وهياكل الإداري التقليدية للإمبراطورية الشريفة.
III.التنظيم الجهوي في عهد الاستقلال
واجهت الإداري المغربية الفتية عدة عوائق بوصفها الوصية على إرث الحماية المتمثل في بنية تحتية معقدة لم تحظى لا بالقبول ولا بالرفض المطلق من قبل السلطات المستقلة ولا هي متكيفة مع حاجات السكان. وفي هاته المرحلة تراجع الاهتمام بالتنظيم الجهوي ليحل الإطار الإقليمي والجماعي محله بغية فرض سلطة الدولة المستقلة إداريا وسياسيا، بحيث اعتبر التقسيم الإقليمي، أهم التقسيمات الإدارية للدولة.
ولم يظهر الاهتمام بالمجال الجهوي إلا بعد استفحال خطورة الفوارق والتفاوتات الجهوية وعجز الإطار الإقليمي عن مواجهتها، وذلك نظرا لمحدوديته وقصوره عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على الإختلالات واللاتوازنات التي خلفتها السياسة الكلونيالية التي خدمت الأهداف الاستعمارية.
وبسبب الاختلاف في بناء حجم الأقاليم وعدم تساويها من حيث عدد السكان وعن الموارد الطبيعية، أصبحت الجهة هي الوسيلة الملائمة كاختيار لإعداد التراب الوطني والتنمية الجهوية، إذ بدأ الانشغال بالجهوية من خلال المخططات التنموية الاقتصادية والاجتماعية المستمرة التي عرفها المغرب لولوج مرحلة جديدة نحو ترسيخ الديمقراطية المحلية. لكن هذه السياسة كانت تفتقر إلى التنسيق والانسجام وعلى رؤية واضحة للقضايا الجهوية وظلت مجرد متمنيات.
وفي سنة 1971 جاء نظام الجهات الاقتصادية كأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واعتبرها قاعدة ترابية لهذه التنمية، وقد تم تقسيم المجال الترابي إلى سبع جهات، وبذلك تم وضع الهياكل وتحديد المفهوم القانوني للجهة، اعتمادا على عدة معايير.

-معيار سياسي: معنى هذا أن الدولة في اطار وعيها بتطور النخب المحلية ووعيا منها بمتطلبات هذه المرحلة فقد عمدت الى ادماج هذه النخب في اطار جهوي وهو معيار خفي وغير معلن.
-احترام التقسيمات السابقة تقريبا: وهو معيار خاطئ لأن أهداف التقسيم الاستعماري مختلف عن أهداف التقسيم في فترة الاستقلال
- معيار طبيعي: ومعنى هذا أن تتشكل كل جهة من وحدات طبيعية مختلفة قدر الامكان وكذلك أن تتوفر على واجهة بحرية مع استثناء جهة واحدة.
-المعيار البشري: أي ضرورة العمل على خلق جهات متوازنة من حيث عدد السكان وهذا ما يفسر كبر بعض الجهات مجاليا.
-معيار البنيات التحتية: يعني ضرورة توفر كل جهة على بنية تحتية.
وهكذا تحول الاتجاه صوب تقرير التمركز الإداري حتى يتماشى بموازاة مع اللامركزية، وجاء خطاب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني سنة 1984، مؤكدا للرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل جهوية وتشريعية وتنفيذية.
وتزامن الطرح مع مواقع كانت فيه الإداري تحتل مكانا واسعا، وتقوم بأدوار وتدخلات تتزايد يوم بعد يوم، وظلت الجهة هي المجال السياسي الأكثر تحررا والأحسن ملائمة للفاعلين المنبثقين عن مختلف الفئات المحلية، إذ تشكل مجالا لجماعات تديرها هيآت منتخبة وتسيرها بكيفية حرة، تتيح لمختلف الاتجاهات التدخل والابتكار في مختلف المسائل باستثناء ماله صلة بالمجال السياسي العام للدولة.
وهكذا بدأ المد الجهوي يحظى باهتمامات خاصة أبرزها التعديل الدستوري لسنة 1992، الذي ارتقى بالجهة إلى مصاف الجماعات المحلية، حسب مقتضيات الفصل (94). وتم تدعيم مركز الجهة في التعديل الدستوري لسنة 1996، حسب مقتضيات الفصل (100)، بالإضافة إلى القانون المنظم للجهات رقم 96-47 الصادر في 2 أبريل 1997، حيث أصبح للجهة كيان مستقل يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي واختصاصات قانونية تقريرية واستشارية.
وأخيرا، في سنة 1997، تبنى التقسيم الجهوي والإقليمي 16 جهة و44 إقليما و 24 عمالة و 10 ولايات. لم يعد الأمر يهم هنا "جهات اقتصادية" كما كان في السابق، ولكن مجموعات عبارة عن مجالات فرعية للتراب الوطني، تتمتع بسلط وتمثل السلطة المركزية وتشكل فضاءات التدبير المستقل، كما تنص على ذلك النصوص المنظمة. يكمن هنا تطور ملحوظ في اتجاه الجهوية كان قد أراده العاهل نفسه، فطبقه المشرع ووزارة الداخلية. والملاحظ في هذا التقسيم الأخير، عندما نتأمل الخريطة التي تمثل 16 جهة سرعان ما نلاحظ ان تقسيم مختلف الوحدات ومحتوياتها قد تحسن تحسنا كبيرا بالمقارنة مع تقسيم1971 .
إذا كانت هذه مجمل المراحل الرئيسية للتنظيم الجهوي بالمغرب، فما هي يا ترى الدوافع والأسباب التي كانت وراء الاقتناء بالعمل الجهوي؟
IV.دوافع وأسباب إحداث الجهة
يمكن تلخيص الدوافع الأساسية للجهوية بالمغرب من خلال ثلاث محاور:
- دوافع سياسية تهدف إلى تدعيم اللامركزية ودمقرطة المؤسسات الجهوية
- دوافع إدارية، فضلا عن دوافع اجتماعية واقتصادية.
* الدوافع السياسية: تتجلى في كون المسألة الديمقراطية المحلية، أصبحت إحدى المظاهر السياسية للمجتمع المدني، وقد جعلت من الجهة عبر مجلسها المنتخب بطريقة ديمقراطية ذلك المجال الذي يتيح للسكان المحليين عبر منتخبيهم الجهويين حق المشاركة الشعبية القادرة على تحقيق التطور الذاتي.
فالجهوية احتلت مكانة في الخطاب السياسي وأصبحت من القضايا التي شغلت رأي جميع القوى الوطنية التي هدفت إلى تحقيق الديمقراطية المحلية من خلال دعم السياسة الجهوية التي نشدتها الإصلاحات الدستورية والسياسية.
وجاءت الجهة في إطار تشييد مغرب حديث لتحقيق قفزة نوعية في مجال الديمقراطية المحلية وتوسيع اللامركزية لأنها تشكل أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإطار للحوار والمشاركة بين كافة مكوناته.
وبالتالي عملت الجهة على استكمال الصرح المؤسساتي التمثلي للمملكة وتوفر فضاءا جديدا للتداول والتشاور والإنجاز، خصوصا بعد أن ثبت فشل إدارة جميع المرافق المركزية.
وهكذا أصبحت الجهة تقنية جديدة لممارسة الديمقراطية على الصعيد الجهوي كما أنها تعتبر وسيلة لتحديث الدولة، ومحورا جديدا للديمقراطية وشرعية السلطة السياسية.
* الدوافع الإدارية: هنا عملت السلطة المركزية منذ الاستقلال على إنشاء مصالح ومرافق إدارية تساعد الحكومة على الصعيد المحلي وأيضا عملت على الزيادة في عدد الولايات والعملات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، وإحداث وحدات ترابية جديدة وهي الجهات، كل ذلك بغية تقريب الإداري من المواطنين. وبالتالي يصبح التنظيم الجهوي أحد الأساليب الإدارية لإدارة المرافق العامة لتلبية حاجيات الأفراد والسكان لأن المجلس الجهوي المنتخب من قبل سكان الجهة يكون على دراية بحاجياتها وإدارة مرافقها بالشكل الذي يتلائم ورغبات السكان وبفعالية أكبر ولو سيرت تلك المرافق من قبل المسؤولين الحكوميين على الصعيد المركزي. وأصبح المنهج الجهوي آلية مناسبة للتقليص من البيروقراطية ، وذلك لتقريب القرار الإداري من مكان تنفيذه.
وإقرار الجهة كوحدة لا مركزية في إطار تنظيم الإداري المحلية، يدخل إجمالا في إطار الإصلاح الإداري عموما، والدافع الإداري في إقرار الجهة جاء في إطار تقليص دور الدولة في بعض المجالات وتفويتها للجهة حيث تصبح هي المسؤولة عن الوظيفة والموظفين في نطاق ترابها.
*..دوافع تاريخية وثقافية: ذلك أن الجهوية تمثل أسلوبا عصريا لممارسة الديموقراطية حيث تأخذ بعين الاعتبار اختلاف المقومات الثقافية والاجتماعية داخل نفس البلد، فهي بهذا توفر للكيانات الاجتماعية استقلالية في تسيير شؤونها ،كون المنطق السليم للديموقراطية لا يقتضي فقط خضوع الأقلية للأكثرية بل أيضا الاعتراف بوجود الأقلية التي قد تشكل كيانا له بعد تاريخي وبالتالي ضرورة الاعتراف بحقوقه السياسية والاجتماعية كحقها في تسيير شؤونها بنفسها .
* الدوافع الاقتصادية والاجتماعية: أصبحت الجهوية من الاستراتيجيات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والإقلاع السوسيوقتصادي، بصفة عامة ، فالسياسيات الاقتصادية المعاصرة أصبحت تعتمد على التنظيم الجهوي باعتباره الإطار الأصلح، لوضع كل الاستراتيجيات التنموية وكذا كل تخطيط اقتصادي طموح. فالجهة هي الفضاء الذي لا بد منه لتنسيق التنمية، الأمر الذي يصعب على الجماعات الترابية الأخرى القيام به وعلى الحكومة ممارسته.
فالدافع الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية هو الدافع الأساسي نحو إقرار سياسته الجهوية لأن موضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية على كافة المستويات يكتسي أهمية قصوى في الوقت الراهن وفي المستقبل.
وأمام فشل الدولة في القضاء على اللاتوازنات فيما بين مناطق وجهات المغرب، فقد تم التكريس الدستوري للجهة منذ سنة 1997، والتركيز على التوجهات التنموية والاقتصادية على أساس الجهوية والتنمية المحلية، وكذلك اختيار المخططات كوسيلة لتحقيق تلك الأهداف، سواء على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي. وبذلك تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية دافعا أساسيا نحو تفعيل دعم وجود الجهة.
V. الجهوية الموسعة
إن إشكاليات مفهومي الدولة والأمة، جعلت أن المشهد والتاريخ المغربي يتسمان ويرتكزان على المركزية. هاته الأخيرة لم تصبح مجدية وذات فعالية مع الانفتاح الذي أصبح يعرفه العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فالعولمة أملت على جميع اقتصاديات الدول تغييرات جذرية في بنيتها ،حتى أصبحت الدولة ملزمة على تنظيم الحياة الاقتصادية في ظل اقتصاد السوق الذي يعرفه العالم.من هنا أصبحنا في حاجة ماسة إلى مقاربة جهوية تجعل من المغرب بلدا يحتضن جميع مناطقه.
من هنا بدأ التفكير في التأسيس لجهوية موسعة تكون الفاعل القوي لحكامة ترابية متجددة يكون الرابح الأكبر فيها هو العنصر البشري. فالديمقراطية الحقيقية هي التي تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية، الثقافية والاجتماعية في مسطرة أدبياتها.
فالعاصمة الرباط يجب ألا تكون فقط المدينة المحورية في رسم المسار الفكري أو السياسي للمواطن، بل يجب منح جهات أخرى الفرصة لكي تكون حتى هي أقطاب شيء ضروري من أجل مغرب أكثر ديمقراطية وأكثر فعالية. فكل جهة مغربية لها خصوصيات قد تجعل منها قطبا رائدا في المجالات التي تلائمها. فهناك جهات قد تكون قطبا تكنولوجيا عالميا، وجهات أخرى قد تؤسس لنمو فلاحي قوي.فالنظرة الشمولية يجب أن تكون مبنية على رؤية واقعية لخاصيات أي جهة .
اللامركزية الإدارية التي نتحدث عنها يجب أن يصاحبها لامركزية سياسية لخلق تنافس حقيقي بين الجهات. فإرساء الممارسة الديمقراطية التشاركية لن يتأتى إلا بجعل الكل وجميع الجهات داخل الهدف الوحيد الذي هو مغرب أفضل يحتضن جميع أبنائه من طنجة إلى الكويرة.
ويجب التأكيد على أن إعطاء الشرعية الديمقراطية للمؤسسات الجهوية سيعزز الديناميكية السياسية التي تستوجب أن تكون وأن تسود بين المواطن والسياسي.
ومن هنا جاءت الجهوية الموسعة والمتدرجة ضرورة يقتضيها مسار الانتقال الديمقراطي، وورش إصلاحي هيكلي لترسيخ الحكامة المحلية وتفعيل التنمية الجهوية في إطار من الوحدة والتوازن والتضامن والانسجام؟ إلى أي حد جعل مشروع الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية من مسألة الجهوية مطلبا ديمقراطيا وطنيا لإعطاء الجهات هامشا واسعا في التدبير الذاتي والتخلص من أعباء المركزية المفرطة.

1.الجهوية الموسعة أساس تدعيم التنمية والاستقرار بالمغرب
ان ورش الجهوية الموسعة يعتبر تحديا جديدا يرفعه المغرب اليوم بقيادة جلالة الملك، وذلك في خطابه يوم 11-01-2010. وهو ورش هيكلي كبير يتطلب تعبئة قوية من طرف الجميع طالما أنه يأتي لتعزيز المسار الديمقراطي وصيانة الوحدة الترابية على إثر التطورات التي عرفتها كل من قضية الصحراء والمسألة الديمقراطية، هل يمكن تأسيس ترابط بين هذين المعطيين؟ وهل يمكن القول بأن الديمقراطية المحلية في معناها الواسع أي في إطار الحكم الذاتي سيهب ريحها من الجنوب؟
إن مسألة الاستقلال الذاتي والجهوية هي فكرة سبق لأحد برلمانيي الحزب الشعبي السيد Javier Ruperez أن دافع عنها لنقول إن أمكن أن قضية الصحراء مثلت أو حلت محل المشروع المجتمعي الذي كانت الدولة المغربية في حاجة ماسة إليه لتعبئة الشعب المغربي، من السلم وتجديد الشرعية والحماسة الوطنية وربطها بنوع من الانفراج السياسي لضمان حد أدنى من السلم والاستقرار السياسي والاجتماعي لا سيما إذا تم مزج تطور المسألة الديمقراطية الراهنة بتطور قضية الصحراء،وتلاقحهما، وانفتاح النظام السياسي عن طريق تحديث بنياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية،ومن تم المرور إلى الدولة الجهوية. ومن المؤكد أن السمو بالديمقراطية المحلية، وباللامركزية نحو الرقي، سيساعد المغرب على مواجهة طوفان العولمة والمحافظة على هويتنا وأصالتنا وعلى وحدتنا الوطنية والترابية والاجتماعية من جهة، كما يساعد على ضمان الاستقرار السياسي على المستوى الداخلي، وكذا على مستوى العلاقات مع الدول المجاورة كالجزائر، كما أن السياسة الجهوية تمثل حلا مقنعا لاستكمال الوحدة الترابية، وعاملا مهما للاستقرار وللنهوض بالتنمية.
وقد جاء الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 33 لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة حاملا لمشروع جهوية موسعة تندرج ضمن البناء الديمقراطي الحداثي للمغرب و النهوض بمسلسل التنمية الجهوية للبلاد في إطار الحكامة الجيدة والديمقراطية المحلية، يقول جلالة الملك محمد السادس نصره الله في هذا الإطار:

لذلك قررنا, بعون الله, فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها , بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة, تشمل كل مناطق المملكة, وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية, مؤكدين عزمنا الراسخ على تمكين كافة ساكنتها وأبنائها من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية ضمن مغرب موحد, سواء بإقامة جهوية واسعة وملائمة, وذلك طبقا لإرادتنا الوطنية, أو من خلال الحكم الذاتي المقترح متى تم التوافق السياسي بشأنه واعتماده كحل نهائي, من طرف المنتظم الأممي.

شعبي العزيز, إن مشروع الجهوية, إصلاح هيكلي عميق يقتضي جهدا جماعيا لبلورته وإنضاجه, لذا, ارتأيت أن أخاطبك في شأن خارطة طريقه : أهدافا, ومرتكزات, ومقاربات. فطموحنا الكبير من هذا الورش الواعد هو ترسيخ الحكامة المحلية الجيدة وتعزيز القرب من المواطن وتفعيل التنمية الجهوية المندمجة, الا قتصادية والا جتماعية والثقافية. ولبلوغ هذه الأهداف, فإن هذا الإصلاح يجب أن يقوم على مرتكزات الوحدة والتوازن, والتضامن. فأما الوحدة, فتشمل وحدة الدولة والوطن والتراب, التي لا يمكن لأي جهوية أن تتم إلا في نطاقها. وأما التوازن, فينبغي أن يقوم على تحديد الاختصاصات الحصرية المنوطة بالدولة مع تمكين المؤسسات الجهوية من الصلاحيات الضرورية للنهوض بمهامها التنموية, في مراعاة لمستلزمات العقلنة والانسجام والتكامل. ويظل التضامن الوطني حجر الزاوية, في الجهوية المتقدمة, إذ أن تحويل الاختصاصات للجهة يقترن بتوفير موارد مالية عامة وذاتية. كما أن نجاح الجهوية رهين باعتماد تقسيم ناجع يتوخى قيام مناطق متكاملة اقتصاديا وجغرافيا ومنسجمة اجتماعيا وثقافيا. وعلى غرار نهجنا في تدبير القضايا الكبرى للأمة.

هذا وإذا كان الحكم الذاتي المتطور في إطار اللامركزية الجهوية والوحدة الوطنية، اختيار ملكي مفاده أن المغرب مستعد للتفاوض في كل شيء ماعدا الطابع البريدي والعلم المغربي. بمعنى الطرح الملكي جاء مستوف لسياسة جهوية عصرية ليس لها حدود ما عدا تلك التي تمس بالسيادة التي يرمز إليها الطابع البريدي وعلم البلاد، وكل ذلك يهف حسب اعتقادنا إلى إقناع الطرفين بشيئين اثنين:
1- طرح فكرة الإدماج والتخلص من مخلفات الحرب الباردة، دون المساس بالسيادة الوطنية.
2- فتح مجال للعيش في استقرار، إذا كان الهدف من هذا الملف الشائك هو كذلك، وتحقيق ذلك في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، سواء بالنسبة لمنطقة الصحراء أو باقي مناطق المغرب.
إن الاعتماد على التاريخ لتعزيز الجغرافية، والخروج من نقطة الصفر، والنهوض بالمشروع المبني على قاعدة جهوية متينة تتيح الانصهار في كيان ديموقراطي تعددي موحد، في إطار اللامركزية الجهوية والوحدة الوطنية هو الحل الوحيد لبناء مغرب قادر على مواجهة ما ينتظره من تحديات هذا القرن.