الخميس، 18 يناير 2018

الديمقراطية المواطنة والتشاركية


إن الحديث عن الديمقراطية المواطنة والتشاركية. مبدأ قديم منذ أن عرفت البشرية بناء على مبدأي التضامن والتشاركية. لكن الجديد هو دسترة هذا المبدأ، وإنتاج آليات لتنزيلها وتطبيقها في أفق التكاملية بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.

وهذا ما يحتم علي تناول ثلاث محطات أساسية : الاختيار الديمقراطي، والمقاربة التشاركية، والقواعد التأسيسية.

المطلب الأول : الاختيار الديمقراطي

الفقرة الأولى : عالمية الديمقراطية

الديمقراطية نظام سياسي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويهيء للمواطنين ظروف تنزيلها.

وتساهم الثقافة السياسية في تنمية النظام الديمقراطي الداعم لحرية التعبير في بناء الفضاء العمومي، والبدائل الديمقراطية، واحترام الحقوق المركزية والأساسية للأفراد والجماعات عن طريق الاستشارات الانتخابية. وتشكيل الرأي العام والسيادة للشعب من حيث المساواة والحرية.

إذن فهي مجموعة من القيم المؤسسة للركائز السياسية والاجتماعية والثقافية الضامنة للمؤسسات العامة والخاصة، والمقاولات، والمساواة في تحديد تدابير المداولات والتصويت أثناء الانتخابات، وهي دائمة ومتجددة خاصة عندما تصبح التنمية المستدامة هي المستقبل للديمقراطية.

ومن الحقوق المؤسسة للديمقراطية نذكر : الحقوق السياسية التي تتناول رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، والهيآت التشريعية، والانتخابات الحرة والعادلة والحرية والأحزاب السياسية ودور المعارضة والمواطنين والمنظمات، والحقوق المدنية كحرية التظاهر والتجمع والمناقشة العامة وحرية تشكيل المنظمات وتطبيق القانون والحماية من الاضطهاد السياسي وحرية التنقل واختيار العمل وحرية الجمعيات.

إن الديمقراطية تعطي لجميع المواطنين الحق في تقرير مصيرهم، وتتيح مناخا لمناقشة قضايا متعددة نحو الرخاء والحريات والأمن والعدالة والمساواة والمشاورات وحل المنازعات سلميا.

ومن تم تتخذ الديمقراطية أبعادا دستورية وجوهرية وإجرائية، تلامس القوانين المنظمة للحكم وطبيعة الأنظمة عن طرق الاختيارات الحرة. تتضمن نظاما سياسيا تنافسيا يضم عدة أحزاب وحق الانتخابات للجميع، والعدالة في توزيع الحصص الإعلامية، والحملات السياسية العلنية.

إن الديمقراطية مسلسل لا يتوقف، يطبع العلاقة بين السياسي والإعلامي عبر تنمية الاتصال السياسي. الذي يتداخل فيه الفلسفي والتدبيري والحكامة والرؤية والمواطنة. وكونها مسلسلا فهي مرتطبة بدرجة النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. لأنه لا شرعية سياسية بدون ثقافة ديمقراطية.

والملاحظ أن الديمقراطية اهتمت بالجانب الكمي. على حساب الشق النوعي والتوازن بينهما شرط أساسي لإقامة السلم السياسي.

ومن أجل تلخيص هذا المحور يمكن أن نركز على الخصائص الديمقراطية التالية فيما يلي :

- وجود قوانين مبنية على التوازن والتوافق. وأسماها الدستور.
- سيادة القانون واحترامه والتحاكم إليه.
- إشاعة الحريات والحقوق بمختلف مظاهرها.
- التعددية الفكرية والحزبية والإعلامية والمدنية.
- الحياد الإيجابي للإدارة.
- التوازن بين السلط.
- توفير المناخ الديمقراطي للحكامة القضائية والاستقلالية.
- انتخابات نزيهة وشفافة وحرة وعادلة.
- التداول السلمي على السلطة بناء على إرادة الشعب.

ينص الفقه الدستوري والسياسي على أن هناك أشكالا من الديمقراطية يمكن أن نوجزها فيما يلي : الديمقراطية المباشرة أي ممارسة الشعب السلطة بنفسه. والديمقراطية النيابية عندما يختار الشعب من يمثله، والديمقراطية شبه المباشرة عندما يقوم الشعب بتفويض سلطاته إلى هيئة منتخبة مع الاحتفاظ لنفسه بممارسة بعض الصلاحيات. ويركز هذا الصنف من الديمقراطية على ثلاثة مظاهر : الاستفتاء الشعبي، والاقتراح الشعبي، والاعتراض الشعبي.

وقد يتخذ الاستفتاء الشعبي بعدا تشريعيا، أو سياسيا، أو دستوريا .. أما الاقتراح الشعبي، فهي مشاريع قوانين أمام البرلمان. (سويسرا نموذجا)، أو ضرورة توفر شروط حسب الدساتير (إقرار البرلمان أو الاستفتاء الشعبي). أما الاعتراض الشعبي فيركز على عدد معين من المواطنين، وآجال محددة دستوريا وقانونيا ...( )
ومن إيجابيات الديمقراطية شبه المباشرة مساهمة قطاع أكبر من أفراد الشعب في القضايا الهامة والكبرى للبلاد، والتقليص من "استبداد" الديمقراطية التمثيلية. وتحرير البرلمان من ضغوط الأحزاب السياسية( ).

لكن رغم ذلك فهي تحمل في طياتها سلبيات تتجلى في قلة الخبرة السياسية، ومسألة الزمن والآجالات، والتكاليف المالية، وإمكانية خضوعها للأهواء والعواطف، وطغيان هيآت وشخصيات نافذة في المجتمع( ).

والديمقراطية هي حكم الأغلبية، أو بعبارة معهودة حكم الشعب بالشعب وللشعب. وعندما يكون الشعب في قلب السيادة فتلك الديمقراطية. وحسب "بوردو" فالديمقراطية فلسفة، ونمط حياة، وديانة، وشكل للحكم( ).

إذن فهي مشاركة في عملية صنع القرار للحصول على نتائج إيجابية، والشعور بالمسؤولية، وتقيمة العمل، والزيادة في الإنتاجية، والرفع من المهنية( ).

الفقرة الثانية : الفضاء المغربي

لقد ركزت في الفقرة الأولى على عالمية الديمقراطية. ولاشك أن المغرب من حيث المبدأ دخل نادي الديمقراطية منذ إعلان الاستقلال بعد إخراج ظهير 1958، والإيمان بالتعددية.

لكن التدافع السياسي بين المؤسسة الحاكمة وبعض الأحزاب الوطنية. جعل هذا الاختيار يعرف إعاقة على مستوى التطبيق. مما انعكس على التنمية بصفة عامة.

لكن بعد التصويت على دستور 2011( )، دخل المغرب مرحلة جديدة، من حيث التقعيد الدستوري لهذا ا لاختيار، وذلك من خلال تخصيص الباب الثاني للحريات والحقوق الأساسية. واعتماد منطق "السلطة" تشريعيا، وتنفيذيا، وقضائيا، والتركيز على الحكامة الجيدة. والتنمية البشرية والمستدامة. والديمقراطية التشاركية.

ومن الأهداف المتوخاة من الدستور توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة التعددية والحكامة الجيدة. لأننا نصبو إلى تنزيل المقتضى الدستوري الذي ينص على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية، برلمانية واجتماعية. مع الإشارة إلى الديمقراطية المواطنة والتشاركية. واعتبار الاختيار الديمقراطي من الثوابت الجامعة للأمة.

ويجب أن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية. وتشارك في ممارسة السلطة بالوسائل الديمقراطية.

ونظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع. ولا يجوز لأي حزب سياسي أن يمس الأسس الديمقراطية. ونفس الأمر ينطبق على الهيآت النقابية ولا يمكن حل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي. وخول الدستور للمعارضة البرلمانية حقوقا أهمها ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي محليا، وجهويا، ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.

ومن الواجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية.

كما ركز الدستور على دمقرطة مؤسسات وهيآت حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية في الباب الثاني عشر المعنون بالحكامة الجيدة.

بناء على هذا التقعيد الدستوري تطرح الأسئلة الجوهرية التالية المستقاة من الالتزام الحكومي :

1) هل سيتم تنزيل المقتضيات الدستورية بناء على العمل المندمج والمتكامل، والمقاربة التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة ؟

2) كيف سنعزز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات ؟

3) إلى أي حد سنجتهد في ترسيخ دولة القانون، والجهوية المتقدمة، والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن والقائمة على المواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق بالواجبات ؟

4) كيف نصرف مراحل بناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع الروافد القطاعية والجهوية وتنافسي ومنتج للثروة وللشغل اللائق وسياسة اقتصادية ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو ؟

5) كيف نطور ونفعل البرامج الاجتماعية بما يضمن الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية خصوصا التعليم والصحة والسكن، ويكرس التضامن وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات والأجيال والجهات ؟

6) كيف نعزز التفاعل الإيجابي مع المحيط الجهوي والعالمي وتقوية الأداء العمومي لخدمة المغاربة المقيمين بالخارج ؟

المطلب الثاني : المقاربة التشاركية

من أهم المصطلحات السائدة اليوم : الديمقراطية التشاركية والتي تعني تنمية انخراط المواطنين في الحياة العامة. واتخاذ القرار.

ومن أهم مؤشراتها : تقديم العرائض، والتوافقات، واعتماد إجراءات منظمة ودقيقة. رغم الانتقادات التي توجه إليها نحو "الشعبوية" وعدم التمثيلية الموسعة، وإشكالية تنظيم الاستشارات، والموضوعية في علاقتها بالذاتية، وصعوبة الحصول على المعلومة( ).

ومن أهم الآليات المعتمدة في الديمقراطية التشاركية : مجالس الأحياء للتنمية، والمؤسسات التشاورية. ورغم الإكراهات التي تعتريها فهي قناة دينامية للانتعاش الديمقراطي، والحوار، والمراقبة، والقرب، والتداول( ).

ونظرا للتحديات المحيطة بهذه التشاركية، فقد اعتبرت بأنها غير واضحة المعالم( ).

وكونها تعتمد آليات حديثة كالميزانية المشتركة، ومجالس الأحياء، والتشاورات، فإنها تتكامل مع الديمقراطية التمثيلية.

وفي هذا الإطار تتفاعل الاستطلاعات، والحوارات العمومية، التواقة إلى قرارات راشدة، وعدالة اجتماعية مما يخلق نوعا من الحيوية، والتطور، وتفعيل المواطنين، وتنويع العلاقات السياسية رغم الإكراهات.

إن الديمقراطية التشاركية ديمقراطية فاعلة، لحل المشاكل عن قرب، وضمان انخراط الجميع، وتطوير التدبير المحلي عن طريق التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. وتنمية الإرادة السياسية لدى المنتخبين، وتوفير الأمن الاجتماعي، والتربية على ثقافة التوافق. والأخذ بعين الاعتبار حاجيات الجميع، وتتجدد الديمقراطية، بناء على المواطنة والمدنية والمنفعة العامة. وتوفير المعلومة والتدبير الشفاف والمساهمة في اتخاذ القرار، والانتقال من المحلي إلى الوطني.

ومن تجلياتها ميثاق عمل، وإحداث مجالس سياسية ومدنية، وشعبية، وتوفير ميزانية خاصة بها. وتنسيق العمل بينها، وتنظيم العلاقة مع السلطة التنفيذية والتشريعية والجهوية. وتشكيل لجن الملاحظة والتتبع والتقويم.

ويجب أن يتم كل هذا في إطار عام يحدد المشاركة، وطبيعتها، ومجالها وأطرافها، وطرق الانخراط، وكيفية تنظيم الساكنة، وتوزيع المسؤوليات والمصاريف ...
وتدخل الديمقراطية التشاركية في إطار دستور 2011 المغربي الذي ركز على تعزيز مكانة المجتمع المدني، واعتماد منهج التشارك والإشراك. والمساهمة في تعزيز وتأهيل المجتمع المدني. وحسن تدبير التواصل والقدرات، وترسيخ الحقوق والحريات( ).

ويعتبر التفكير في المجال، وإعداده، وبناؤه بشكل جماعي رهانا واضحا لأنه يؤشر على الاشتغال بشكل جماعي. لأن التخطيط الاستراتيجي التشاركي يخدم التنمية المجالية. منهجية تحفز التفكير نحو المستقبل ... نهج يحسن التدبير ... ويشجع ويوجه الحوار ... ويحسن الاتصال ... ( )

ونظرا لهذا الدور التشاركي، فقد وضعت فرنسا قانونا ينصب على الديمقراطية المحلية والقرب سنة 2002 الذي يركز على إشراك الساكنة والجمعيات والهيآت من خلال إعداد المشاريع. وإلزام المدن المتجاوز سكانها 80000 نسمة والجماعات الأكثر من عشرين ألف بناء مجالس الحي.

وأكد المرسوم رقم 453.85 المعدل في 23 أبريل 1985 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 630.83 المؤرخ في 12 يوليوز 1983 على دمقرطة الإعلان العمومي وحماية البيئة( ).

وقد عم مفهوم التشاركية نظرا لارتباطه بالتنمية عامة. وقد اصطلح عليه باللامركزية المتقدمة السانحة للتخطيط الجماعي. وآمنت النيجر بالتخطيط الجماعي لتوجيه عمل الشركاء التقنيين الماليين.

لكن رغم هذا النفس التشاركي الذي ساد في كثير من الدول فإن إشكالات تظل عالقة تتجلى في الحكامة وطرق المأسسة، والتفعيل وطرق التمويل، والتكوين ودعم القدرات( ).

إن تطور العمران بلغة ابن خلدون مرتبط بالمنطق التشاركي الذي يتخذ أبعادا متعددة، ويتيح فرصة للبناء والتقويم. لأن الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي والتنموي بصفة عامة يصبح مشتركا بين كل الفاعلين. وبالتالي ننتقل إلى المقاربة الترابية المندمجة، التي تعتمد على آليات النظام والتدبير والتحكيم. في أفق التركيز على المجالات الحيوية من أجل تجاوز فوضى التدبير والتسيير والاحتكارية والهيمنة.

إن التشاركية آلية من آليات الترشيد تناغم بين تدخلات كل الفاعلين للمساهمة في السلطة باعتبارها توزيعا عادلا للقيم تراعي الأفق البعيد وبعد النظر.

وبالتالي فهي تكريس لما أسلفناه سابقا بأنها جزء لا يتجزأ من الديمقراطية التشاركية. والتي شكلت الوسيطة بين الديمقراطية المباشرة والنيابية. وتمزج بين نظرية السيادة الشعبية والسيادة الوطنية( ).

ومن أجل تبرير هذا الاختيار، طرح سؤال جوهري على موائد الفقه الدستوري مفاده : هل النظام التمثيلي ديمقراطي ؟ ( )

إنه سؤال كلاسيكي لكنه متجدد. لأنه يطرح سؤال السيادة والعلاقة بين السيادة الوطنية والسيادة الشعبية. ويبقى سؤال الديمقراطية في قلب الأحداث. وسؤال المقاربة للمشاكل المطروحة يبقى عالقا. وجواب المقارنة يفرض وجوده. والمقاربة الانفتاحية على جميع المستويات ضرورة علمية وواقعية وديمقراطية.

إن حكم الشعب بالشعب. يفرض تشاركية سواء بالنسبة للديمقراطية المباشرة أو غير المباشرة. وهي حق دستوري يتيح مشاركة المواطنين في الشأن العام والاختيارات العامة. وتتكامل الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. وهذه الأخيرة في عمقها ديمقراطية القرب خاصة عندما تتناول قضايا الأحياء والجماعات والجهات.

ومن مقتضيات ومؤشرات الديمقراطية التشاركية نذكر الميزانية التشاركية التي ظهرت في "البرازيل"، والتي استهدفت المدن والأحياء ... هادفة إلى الحكامة المالية، والعدالة والاجتماعية، ثم تعممت بأمريكا الجنوبية، ثم إلى قارات أخرى. ومن المؤشرات كذلك "التحكيم المواطن"، و"الحوار العمومي" ...... ( )

نخلص مما سبق أن التشاركية آلية من آليات المساهمة في السلطة. تركز على إشراك المواطنين في اتخاذ القرار. وبالتالي ندخل في ديمقراطية تداولية. التي تتخذ مواضع كثيرة لمقاربتها نحو التهيئة الترابية، والتعمير، والبيئة ... وتلعب الجمعيات دورا فاعلا في هذا الباب كما سنرى في المبحث الثاني.

وقد بدأ النقاش حول حدود الديمقراطية التمثيلية منذ النصف الثاني من القرن السابق، مما تولد على النقاش مصطلح "الديمقراطية التشاركية" اعتمادا على مواطنة فاعلة. ووضوح الرؤية المستقبلية. لأنه كما يقال : حوار ومناقشة حسنة تؤدي إلى قرار أحسن وأرشد. لأن الأصل هو التوافق، والتشاور، وحسن التدبير والإعداد، واعتماد آلية الاستفتاء الشعبي للحسم.

وهذا العمل يشوش أحيانا على أدوار المنتخبين، والمفوضين من قبل صناديق الاقتراع.

ونظرا لشساعة هذا الورش، فإن الفاعلين ابتكروا آليات متعددة لتصديقه نحو حكام أحياء (1971) بألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة. كما أحدثت البرازيل سنة (1992) الميزانية المشتركة. وفي الدول الاسكندنافية. ثم الحديث عن "لقاءات التوافق" (سنة 1980). وبفرنسا تم تشجيع مبدأ التشاور والاستشارة (قانون 1976). والتدبير الترابي بناء على قانون بوش غدو Bouchardeau 1883. حيث تمت دمقرطة إجراء "التقصي العمومي". وحماية البيئة. حيث اعتمد قانون بارنيي Barnier 1995.

ويمكن الحديث كذلك عن قانون ديمقراطية القرب سنة 2002 بفرنسا الذي اعتمد عموما على مجالس الأحياء( ).

ومن خلال جردنا للتاريخ السياسي المغربي نجد بأن هناك تكاملية بين السياسي والمدني وتشاركية تامة من أجل طرد المستعمر وتحرير البلاد. وحتى بعد الاستقلال تم التنسيق بين الطرفين – الذي هو في العمق طرف واحد – من أجل البناء الديمقراطي. لكن الصراع على السلطة أخر المشاريع التنموية العميقة والاستراتيجية.

وطالما تم التنظير لعلاقة الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني( ). ومن تتبع الخطابات الملكية نراها تركز على هذه التشاركية باعتبار أن البناء الديمقراطي هم جماعي. نستحضر ما يلي : تفعيل دور المجتمع المدني( ) "وكلنا مسؤولون فرادى وجماعات وسلطات وهيآت أحزابا وجمعيات عن البناء الجماعي لمجتمعنا"( ). وتركيزه عن "المواطنة الفاعلة والصادقة"( ) و"ترسيخ قيم المواطنة المسؤولة"( ) و"بناء ثقافة المواطنة الإيجابية( ). والهدف هو بلوغ "المجتمع التضامني الذي يكفل الكرامة والمواطنة المسؤولة"( ).

وقد ركز تقرير الخمسينية (الذي صدر بعد 50 سنة من الاستقلال) على التعاون بين الهيآت الدستورية والسياسية والنقابية والجمعوية من أجل بلورة المشاريع التنموية لاستكمال المواطنة الكريمة ... داعيا إلى ضرورة تضافر الجهود بين الدولة وبين سائر الفاعلين : قطاعا خاصا ومجتمعا مدنيا ...

وقد ضمن الخطابات الملكية كذلك الإشارة إلى قضايا وردت في الدستور اليوم نحو : الديمقراطية التشاركية – المجتمع المدني الفاعل – تعزيز ديناميته – بناء المواطنة التضامنية .. وتضافر الجهود مع الفعاليات الانتخابية والجهوية( ).

أما خطاب 9 مارس 2011 الذي اعتبره الكثيرون خطابا تاريخيا فقد ركز الملك على : المساهمة البناءة للهيآت الحزبية والنقابية والجمعوية ... داعيا إلى تعديل دستوري شامل يستند على سبعة مرتكزات أساسية. ذكر في الشق الخامس على تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين بتقوية دور الأحزاب الأساسية في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني ...

وعلى مستوى البرنامج الحكومي لـ 2012 تم إحداث قطاع وزاري جديد في إطار الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. وتسطير التشاركية كآلية من آليات تنزيل المقتضيات الدستورية. والتركيز على التشاركية والتعاقدية في جميع المجالات.

لقد بدأ الجميع يشعر بهذه الأهمية، وفي هذا الإطار نظم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب لقاءا دراسيا( ) والذي ركز على : إرساء ديمقراطية تشاركية – دور العمل الجمعوي – الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة والمجتمع المدني – التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.

وبدأت ثقافة التشاركية تخرج من مرحلة القيم العامة إلى مستوى المأسسة. وفي هذا الإطار نظم البرلمان يوما دراسيا( ) حول العلاقة الواجب تنظيمها بين البرلمان والمجتمع المدني، تحت شعار : البرلمان والمجتمع المدني : أية علاقة ؟ والذي جعل من أهدافه ما يلي :

1- جعل منظمات المجتمع المدني ملمة بالعمل البرلماني.
2- جعل البرلمان ملما بالعمل الجمعوي.
3- جعل قاعدة معطيات متعلقة بالمجتمع المدني لدى البرلمان.
4- وجود شبكة متخصصة في التشريع من المجتمع المدني.

وتفيد التجارب الدولية بأن العرائض تقدم غالبا للسلطات العمومية والهيآت المنتخبة. أما عندما يتعلق بملتمسات التشريع فغالبا ما تحال على البرلمان، لذلك من الضروري أن تعزز العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني ... لذلك ناقش الحاضرون بهذا اليوم الدراسي قضايا متعددة تصب في هذا المجال والتي أوجزها فيما يلي : - سبل تعزيز الثقة – تشجيع المشاركة المدنية وتعزيز المسؤولية الاجتماعية وتفعيل المساءلة – تقوية النقاش العام حول القضايا العامة – دمقرطة ومأسسة العلاقات وشرعنتها -.

إن العلاقة بين المجتمع المدني والبرلمان من صميم الديمقراطية لأن الشعب هو مصدر السلطات ويحق له التواصل مع ممثليه خاصة وقد أصبحوا شركاء في رسم السياسات العمومية، وتقديم العرائض وملتمسات التشريع. مما يساعد على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ...

ومن شروط نجاح هذه العلاقة اتساع حركة المجتمع المدني واستقلاليته تمويلا وتفاعلا. وتغطية وسائل الإعلام لهذه العلاقة وإحداث المصالحة مع السياسة، والمشاركة في المراقبة والتشريع ...

ومن الآليات الواجب توفرها اللجان والملتقيات، ودراسة مواضيع مشتركة، والتواصل مع الجامعة، ووضع هيآت متخصصة بتطوير هذه العلاقة، وتكثيف العلاقة مع المؤسسات الدولية ذات الصلة.

لقد تشكلت قناعة بأنه لا تخطيطا استراتيجيا للتنمية المجالية دون تشاركية( ).

المطلب الثالث : القواعد التأسيسية

الفقرة الأولى : خصائص عامة

لقد حاولت أن أبسط فرشا فكريا وسياسيا وواقعيا يبرز أهمية التكاملية بين الديمقراطية التمثيلية والتشاركية كقاعدة ابستمولوجية للمبادرة الشعبية.

وقد انتقل الاجتهاد الدستوري والسياسي من التنظير الفكري إلى الممارسة التشريعية والسؤال المطروح : ما هي القواعد المؤسسة لهذا الاختيار الشعبي خاصة على المستوى الدستوري ؟

من أهم معالم هذا الاختيار التشاركي : اعتماد الحق في تقديم العرائض لدى السلطات المنتخبة، والسلطات العمومية. وهذا ما نص عليه الدستور البلجيكي من فصوله 28 و57 والدستور الدانماركي في فصله 54 وأكده دستور ألمانيا في فصله 17 وكذا 45( ).

واعتمد البرلمان الأوربي الحق في تقديم الملتمسات( ) وركز الدستور الفرنسي على حق تقديم العرائض، والتشاور الواسع مع المواطنين( ). وتبنى الدستور اليوناني نفس الاختيار في مادته 69( ). وهذا ما ذهبت إليه إسبانيا في دستورها انطلاقا من الفصل 61( ).

وتاريخيا ومع الثورة الفرنسية 1789 تمت الإشارة إلى الحق في تقديم العرائض، ونفس الأمر بالنسبة للميثاق الأعظم 145 البريطاني( ).

وقد عم هذا الحق مجموعة من الدول نستحضر الفصل 58 من دستور (بوركينا فاسو) والفصل 30( ). وأكدت الدولة الإيطالية في الفصل 138 من الدستور على المبادرة الشعبية بناء على شروط( ). وركز دستور الجمهورية البولونية على حق المشاركة، وتنويع الأنشطة، وحرية تأسيس الهيآت المدنية( ).

ونفس المنحى تبنته الفدرالية الروسية، عندما ضمن الدستور حرية الأنشطة الجهوية والانتماء إلى الجمعيات( ). كما أكد دستور "بلغاريا" على توسيع دائرة العمل الجمعوي، والدفاع عن مصالحه بالطرق المشروعة( ).

وخص الدستور الإيطالي وظيفة التشريع للحكومة والبرلمان والهيآت والمؤسسات بناء على المقتضيات السائدة( ).

إن دسترة الديمقراطية التشاركية بالمغرب مؤشر على إحداث التوازن والتنظيم وكذا إحداث الحكامة. وترتكز على القرب من المواطنات والمواطنين، والمبادرة التشريعية والعريضة الشعبية من آلياتها( ).

وأكدت اللجنة الأوربية على أن المبادرة الشعبية خاصة التشريعية حق من الحقوق التي تهدف إلى الصالح العام. وعنوان الممارسة الديمقراطية للمواطنين وهي مدسترة عالميا ...

وقد مثلت لذلك بمجموعة من الدول التي وسعت دائرة التشريع من حيث الواضعون نحو: ادربيجان في الفصل 96 من الدستور، والفيدرالية الروسية كما ذكرنا سالفا، ودولة هنكاريا في الفصل 280، ودولة ليتوانيا، وبولونيا في المادة 118 من الدستور، وألبانيا في الفصل 81، وإيطاليا في الفصل 71، وإسبانيا في الفصل 83، وسلوفينيا، ويوغسلافيا، وألبانيا، وجورجيا، وأوكرانيا واليونان، وفرنسا، وسنفصل في هذا أثناء الحديث على الشروط والكيفيات( ).

ونصت المواد 160 الفقرة 1 والفصل 107 على المبادرة الشعبية، واعتبرتها حاجة سياسية، لأنها تحدث التوازن، وإن لم تكن مثبتة، سنكون مضطرين إلى تعديل دستوري من أجل تعزيز هذا الحق الشعبي( ).

ونظرا لما ذكرناه، فإن احترام مقتضيات الدستور من الأسس التي يجب أن تراعى أثناء تقديم المبادرات الشعبية. وأعطى الدستور السويسري بعدا سياسيا للكونتونات Les contons حتى يتسنى للجميع تقديم ملتمسات التشريع. وبدأوا يتحدثون عن "الاستفتاءات الدستورية" وميزوا بين الفيدرالي والجهات( ).

من خلال هذا المطلب نستنتج أن المبادرة الشعبية تشريعية كانت أم غير ذلك أصبحت تقليدا دستوريا لأنها تدعم التشاركية والسؤال الجوهري : ماذا عن التجربة المغربية ؟

الفقرة الثانية : التأسيس المغربي

لقد عرف المغرب تاريخيا مفهوم المذكرة والعرائض وغيرها من المصطلحات لكن الجديد اليوم، هو أن المبادرة الشعبية تشريعيا أو رقابيا أو مطلبيا أصبحت مدسترة في الدستور الجديد الذي صودق عليه( ).

إن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية. ومن الثوابت الجامعة الاختيار الديمقراطي (ف 1).

وتؤسس الجمعيات وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون. وتساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية. وكذا في تفعيلها وتقييمها. (ف 12) وتعمل السلطات العمومية على إحداث هيآت للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها (ف13). وللمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع (ف 14)، والحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. ويحقق قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق (ف 15).

وتختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية. وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور (ف 133).

ويرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة (ف 136).

وتضع مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها .. كما يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله (ف 139).
ويتحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :

- الحق في تقديم ملتمسات التشريع.
- الحق في تقديم القرارات.
- شروط تقديم العرائض.

كما نص دستور 2011 المغربي على مجموعة من مؤسسات وهيآت حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية( ).
ولن تتأسس هذه المؤسسات إلا عن طريق التشاركية التي تحدثنا عنها.

رغم ذلك يمكن اعتبار المقتضيات الدستورية إعلانا على دخول المغرب إلى نادي "الديمقراطية التشاركية" على مستوى الدسترة. وأصبحت لصيقة بالديمقراطية التمثيلية. وهذا مؤشر على وجود إرادة في الانتقال من مرحلة الكائن العادي داخل المجتمع إلى المواطن الذي يخضع لمنطق الحقوق  والواجباتالديمقراطية المواطنة والتشاركية
للاستاذ نور الدين قربال

إن الحديث عن الديمقراطية المواطنة والتشاركية. مبدأ قديم منذ أن عرفت البشرية بناء على مبدأي التضامن والتشاركية. لكن الجديد هو دسترة هذا المبدأ، وإنتاج آليات لتنزيلها وتطبيقها في أفق التكاملية بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية.

وهذا ما يحتم علي تناول ثلاث محطات أساسية : الاختيار الديمقراطي، والمقاربة التشاركية، والقواعد التأسيسية.

المطلب الأول : الاختيار الديمقراطي

الفقرة الأولى : عالمية الديمقراطية

الديمقراطية نظام سياسي يضمن الحقوق والحريات الفردية والجماعية، ويهيء للمواطنين ظروف تنزيلها.

وتساهم الثقافة السياسية في تنمية النظام الديمقراطي الداعم لحرية التعبير في بناء الفضاء العمومي، والبدائل الديمقراطية، واحترام الحقوق المركزية والأساسية للأفراد والجماعات عن طريق الاستشارات الانتخابية. وتشكيل الرأي العام والسيادة للشعب من حيث المساواة والحرية.

إذن فهي مجموعة من القيم المؤسسة للركائز السياسية والاجتماعية والثقافية الضامنة للمؤسسات العامة والخاصة، والمقاولات، والمساواة في تحديد تدابير المداولات والتصويت أثناء الانتخابات، وهي دائمة ومتجددة خاصة عندما تصبح التنمية المستدامة هي المستقبل للديمقراطية.

ومن الحقوق المؤسسة للديمقراطية نذكر : الحقوق السياسية التي تتناول رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، والهيآت التشريعية، والانتخابات الحرة والعادلة والحرية والأحزاب السياسية ودور المعارضة والمواطنين والمنظمات، والحقوق المدنية كحرية التظاهر والتجمع والمناقشة العامة وحرية تشكيل المنظمات وتطبيق القانون والحماية من الاضطهاد السياسي وحرية التنقل واختيار العمل وحرية الجمعيات.

إن الديمقراطية تعطي لجميع المواطنين الحق في تقرير مصيرهم، وتتيح مناخا لمناقشة قضايا متعددة نحو الرخاء والحريات والأمن والعدالة والمساواة والمشاورات وحل المنازعات سلميا.

ومن تم تتخذ الديمقراطية أبعادا دستورية وجوهرية وإجرائية، تلامس القوانين المنظمة للحكم وطبيعة الأنظمة عن طرق الاختيارات الحرة. تتضمن نظاما سياسيا تنافسيا يضم عدة أحزاب وحق الانتخابات للجميع، والعدالة في توزيع الحصص الإعلامية، والحملات السياسية العلنية.

إن الديمقراطية مسلسل لا يتوقف، يطبع العلاقة بين السياسي والإعلامي عبر تنمية الاتصال السياسي. الذي يتداخل فيه الفلسفي والتدبيري والحكامة والرؤية والمواطنة. وكونها مسلسلا فهي مرتطبة بدرجة النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. لأنه لا شرعية سياسية بدون ثقافة ديمقراطية.

والملاحظ أن الديمقراطية اهتمت بالجانب الكمي. على حساب الشق النوعي والتوازن بينهما شرط أساسي لإقامة السلم السياسي.

ومن أجل تلخيص هذا المحور يمكن أن نركز على الخصائص الديمقراطية التالية فيما يلي :

- وجود قوانين مبنية على التوازن والتوافق. وأسماها الدستور.
- سيادة القانون واحترامه والتحاكم إليه.
- إشاعة الحريات والحقوق بمختلف مظاهرها.
- التعددية الفكرية والحزبية والإعلامية والمدنية.
- الحياد الإيجابي للإدارة.
- التوازن بين السلط.
- توفير المناخ الديمقراطي للحكامة القضائية والاستقلالية.
- انتخابات نزيهة وشفافة وحرة وعادلة.
- التداول السلمي على السلطة بناء على إرادة الشعب.

ينص الفقه الدستوري والسياسي على أن هناك أشكالا من الديمقراطية يمكن أن نوجزها فيما يلي : الديمقراطية المباشرة أي ممارسة الشعب السلطة بنفسه. والديمقراطية النيابية عندما يختار الشعب من يمثله، والديمقراطية شبه المباشرة عندما يقوم الشعب بتفويض سلطاته إلى هيئة منتخبة مع الاحتفاظ لنفسه بممارسة بعض الصلاحيات. ويركز هذا الصنف من الديمقراطية على ثلاثة مظاهر : الاستفتاء الشعبي، والاقتراح الشعبي، والاعتراض الشعبي.

وقد يتخذ الاستفتاء الشعبي بعدا تشريعيا، أو سياسيا، أو دستوريا .. أما الاقتراح الشعبي، فهي مشاريع قوانين أمام البرلمان. (سويسرا نموذجا)، أو ضرورة توفر شروط حسب الدساتير (إقرار البرلمان أو الاستفتاء الشعبي). أما الاعتراض الشعبي فيركز على عدد معين من المواطنين، وآجال محددة دستوريا وقانونيا ...( )
ومن إيجابيات الديمقراطية شبه المباشرة مساهمة قطاع أكبر من أفراد الشعب في القضايا الهامة والكبرى للبلاد، والتقليص من "استبداد" الديمقراطية التمثيلية. وتحرير البرلمان من ضغوط الأحزاب السياسية( ).

لكن رغم ذلك فهي تحمل في طياتها سلبيات تتجلى في قلة الخبرة السياسية، ومسألة الزمن والآجالات، والتكاليف المالية، وإمكانية خضوعها للأهواء والعواطف، وطغيان هيآت وشخصيات نافذة في المجتمع( ).

والديمقراطية هي حكم الأغلبية، أو بعبارة معهودة حكم الشعب بالشعب وللشعب. وعندما يكون الشعب في قلب السيادة فتلك الديمقراطية. وحسب "بوردو" فالديمقراطية فلسفة، ونمط حياة، وديانة، وشكل للحكم( ).

إذن فهي مشاركة في عملية صنع القرار للحصول على نتائج إيجابية، والشعور بالمسؤولية، وتقيمة العمل، والزيادة في الإنتاجية، والرفع من المهنية( ).

الفقرة الثانية : الفضاء المغربي

لقد ركزت في الفقرة الأولى على عالمية الديمقراطية. ولاشك أن المغرب من حيث المبدأ دخل نادي الديمقراطية منذ إعلان الاستقلال بعد إخراج ظهير 1958، والإيمان بالتعددية.

لكن التدافع السياسي بين المؤسسة الحاكمة وبعض الأحزاب الوطنية. جعل هذا الاختيار يعرف إعاقة على مستوى التطبيق. مما انعكس على التنمية بصفة عامة.

لكن بعد التصويت على دستور 2011( )، دخل المغرب مرحلة جديدة، من حيث التقعيد الدستوري لهذا ا لاختيار، وذلك من خلال تخصيص الباب الثاني للحريات والحقوق الأساسية. واعتماد منطق "السلطة" تشريعيا، وتنفيذيا، وقضائيا، والتركيز على الحكامة الجيدة. والتنمية البشرية والمستدامة. والديمقراطية التشاركية.

ومن الأهداف المتوخاة من الدستور توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة التعددية والحكامة الجيدة. لأننا نصبو إلى تنزيل المقتضى الدستوري الذي ينص على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية، برلمانية واجتماعية. مع الإشارة إلى الديمقراطية المواطنة والتشاركية. واعتبار الاختيار الديمقراطي من الثوابت الجامعة للأمة.

ويجب أن يكون تنظيم الأحزاب السياسية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية. وتشارك في ممارسة السلطة بالوسائل الديمقراطية.

ونظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع. ولا يجوز لأي حزب سياسي أن يمس الأسس الديمقراطية. ونفس الأمر ينطبق على الهيآت النقابية ولا يمكن حل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي. وخول الدستور للمعارضة البرلمانية حقوقا أهمها ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي محليا، وجهويا، ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.

ومن الواجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسييرها مطابقا للمبادئ الديمقراطية.

كما ركز الدستور على دمقرطة مؤسسات وهيآت حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة، والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية في الباب الثاني عشر المعنون بالحكامة الجيدة.

بناء على هذا التقعيد الدستوري تطرح الأسئلة الجوهرية التالية المستقاة من الالتزام الحكومي :

1) هل سيتم تنزيل المقتضيات الدستورية بناء على العمل المندمج والمتكامل، والمقاربة التشاركية، وربط المسؤولية بالمحاسبة ؟

2) كيف سنعزز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات ؟

3) إلى أي حد سنجتهد في ترسيخ دولة القانون، والجهوية المتقدمة، والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن والقائمة على المواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق بالواجبات ؟

4) كيف نصرف مراحل بناء اقتصاد وطني قوي ومتنوع الروافد القطاعية والجهوية وتنافسي ومنتج للثروة وللشغل اللائق وسياسة اقتصادية ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو ؟

5) كيف نطور ونفعل البرامج الاجتماعية بما يضمن الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية خصوصا التعليم والصحة والسكن، ويكرس التضامن وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات والأجيال والجهات ؟

6) كيف نعزز التفاعل الإيجابي مع المحيط الجهوي والعالمي وتقوية الأداء العمومي لخدمة المغاربة المقيمين بالخارج ؟

المطلب الثاني : المقاربة التشاركية

من أهم المصطلحات السائدة اليوم : الديمقراطية التشاركية والتي تعني تنمية انخراط المواطنين في الحياة العامة. واتخاذ القرار.

ومن أهم مؤشراتها : تقديم العرائض، والتوافقات، واعتماد إجراءات منظمة ودقيقة. رغم الانتقادات التي توجه إليها نحو "الشعبوية" وعدم التمثيلية الموسعة، وإشكالية تنظيم الاستشارات، والموضوعية في علاقتها بالذاتية، وصعوبة الحصول على المعلومة( ).

ومن أهم الآليات المعتمدة في الديمقراطية التشاركية : مجالس الأحياء للتنمية، والمؤسسات التشاورية. ورغم الإكراهات التي تعتريها فهي قناة دينامية للانتعاش الديمقراطي، والحوار، والمراقبة، والقرب، والتداول( ).

ونظرا للتحديات المحيطة بهذه التشاركية، فقد اعتبرت بأنها غير واضحة المعالم( ).

وكونها تعتمد آليات حديثة كالميزانية المشتركة، ومجالس الأحياء، والتشاورات، فإنها تتكامل مع الديمقراطية التمثيلية.

وفي هذا الإطار تتفاعل الاستطلاعات، والحوارات العمومية، التواقة إلى قرارات راشدة، وعدالة اجتماعية مما يخلق نوعا من الحيوية، والتطور، وتفعيل المواطنين، وتنويع العلاقات السياسية رغم الإكراهات.

إن الديمقراطية التشاركية ديمقراطية فاعلة، لحل المشاكل عن قرب، وضمان انخراط الجميع، وتطوير التدبير المحلي عن طريق التكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. وتنمية الإرادة السياسية لدى المنتخبين، وتوفير الأمن الاجتماعي، والتربية على ثقافة التوافق. والأخذ بعين الاعتبار حاجيات الجميع، وتتجدد الديمقراطية، بناء على المواطنة والمدنية والمنفعة العامة. وتوفير المعلومة والتدبير الشفاف والمساهمة في اتخاذ القرار، والانتقال من المحلي إلى الوطني.

ومن تجلياتها ميثاق عمل، وإحداث مجالس سياسية ومدنية، وشعبية، وتوفير ميزانية خاصة بها. وتنسيق العمل بينها، وتنظيم العلاقة مع السلطة التنفيذية والتشريعية والجهوية. وتشكيل لجن الملاحظة والتتبع والتقويم.

ويجب أن يتم كل هذا في إطار عام يحدد المشاركة، وطبيعتها، ومجالها وأطرافها، وطرق الانخراط، وكيفية تنظيم الساكنة، وتوزيع المسؤوليات والمصاريف ...
وتدخل الديمقراطية التشاركية في إطار دستور 2011 المغربي الذي ركز على تعزيز مكانة المجتمع المدني، واعتماد منهج التشارك والإشراك. والمساهمة في تعزيز وتأهيل المجتمع المدني. وحسن تدبير التواصل والقدرات، وترسيخ الحقوق والحريات( ).

ويعتبر التفكير في المجال، وإعداده، وبناؤه بشكل جماعي رهانا واضحا لأنه يؤشر على الاشتغال بشكل جماعي. لأن التخطيط الاستراتيجي التشاركي يخدم التنمية المجالية. منهجية تحفز التفكير نحو المستقبل ... نهج يحسن التدبير ... ويشجع ويوجه الحوار ... ويحسن الاتصال ... ( )

ونظرا لهذا الدور التشاركي، فقد وضعت فرنسا قانونا ينصب على الديمقراطية المحلية والقرب سنة 2002 الذي يركز على إشراك الساكنة والجمعيات والهيآت من خلال إعداد المشاريع. وإلزام المدن المتجاوز سكانها 80000 نسمة والجماعات الأكثر من عشرين ألف بناء مجالس الحي.

وأكد المرسوم رقم 453.85 المعدل في 23 أبريل 1985 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 630.83 المؤرخ في 12 يوليوز 1983 على دمقرطة الإعلان العمومي وحماية البيئة( ).

وقد عم مفهوم التشاركية نظرا لارتباطه بالتنمية عامة. وقد اصطلح عليه باللامركزية المتقدمة السانحة للتخطيط الجماعي. وآمنت النيجر بالتخطيط الجماعي لتوجيه عمل الشركاء التقنيين الماليين.

لكن رغم هذا النفس التشاركي الذي ساد في كثير من الدول فإن إشكالات تظل عالقة تتجلى في الحكامة وطرق المأسسة، والتفعيل وطرق التمويل، والتكوين ودعم القدرات( ).

إن تطور العمران بلغة ابن خلدون مرتبط بالمنطق التشاركي الذي يتخذ أبعادا متعددة، ويتيح فرصة للبناء والتقويم. لأن الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي والتنموي بصفة عامة يصبح مشتركا بين كل الفاعلين. وبالتالي ننتقل إلى المقاربة الترابية المندمجة، التي تعتمد على آليات النظام والتدبير والتحكيم. في أفق التركيز على المجالات الحيوية من أجل تجاوز فوضى التدبير والتسيير والاحتكارية والهيمنة.

إن التشاركية آلية من آليات الترشيد تناغم بين تدخلات كل الفاعلين للمساهمة في السلطة باعتبارها توزيعا عادلا للقيم تراعي الأفق البعيد وبعد النظر.

وبالتالي فهي تكريس لما أسلفناه سابقا بأنها جزء لا يتجزأ من الديمقراطية التشاركية. والتي شكلت الوسيطة بين الديمقراطية المباشرة والنيابية. وتمزج بين نظرية السيادة الشعبية والسيادة الوطنية( ).

ومن أجل تبرير هذا الاختيار، طرح سؤال جوهري على موائد الفقه الدستوري مفاده : هل النظام التمثيلي ديمقراطي ؟ ( )

إنه سؤال كلاسيكي لكنه متجدد. لأنه يطرح سؤال السيادة والعلاقة بين السيادة الوطنية والسيادة الشعبية. ويبقى سؤال الديمقراطية في قلب الأحداث. وسؤال المقاربة للمشاكل المطروحة يبقى عالقا. وجواب المقارنة يفرض وجوده. والمقاربة الانفتاحية على جميع المستويات ضرورة علمية وواقعية وديمقراطية.

إن حكم الشعب بالشعب. يفرض تشاركية سواء بالنسبة للديمقراطية المباشرة أو غير المباشرة. وهي حق دستوري يتيح مشاركة المواطنين في الشأن العام والاختيارات العامة. وتتكامل الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية. وهذه الأخيرة في عمقها ديمقراطية القرب خاصة عندما تتناول قضايا الأحياء والجماعات والجهات.

ومن مقتضيات ومؤشرات الديمقراطية التشاركية نذكر الميزانية التشاركية التي ظهرت في "البرازيل"، والتي استهدفت المدن والأحياء ... هادفة إلى الحكامة المالية، والعدالة والاجتماعية، ثم تعممت بأمريكا الجنوبية، ثم إلى قارات أخرى. ومن المؤشرات كذلك "التحكيم المواطن"، و"الحوار العمومي" ...... ( )

نخلص مما سبق أن التشاركية آلية من آليات المساهمة في السلطة. تركز على إشراك المواطنين في اتخاذ القرار. وبالتالي ندخل في ديمقراطية تداولية. التي تتخذ مواضع كثيرة لمقاربتها نحو التهيئة الترابية، والتعمير، والبيئة ... وتلعب الجمعيات دورا فاعلا في هذا الباب كما سنرى في المبحث الثاني.

وقد بدأ النقاش حول حدود الديمقراطية التمثيلية منذ النصف الثاني من القرن السابق، مما تولد على النقاش مصطلح "الديمقراطية التشاركية" اعتمادا على مواطنة فاعلة. ووضوح الرؤية المستقبلية. لأنه كما يقال : حوار ومناقشة حسنة تؤدي إلى قرار أحسن وأرشد. لأن الأصل هو التوافق، والتشاور، وحسن التدبير والإعداد، واعتماد آلية الاستفتاء الشعبي للحسم.

وهذا العمل يشوش أحيانا على أدوار المنتخبين، والمفوضين من قبل صناديق الاقتراع.

ونظرا لشساعة هذا الورش، فإن الفاعلين ابتكروا آليات متعددة لتصديقه نحو حكام أحياء (1971) بألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة. كما أحدثت البرازيل سنة (1992) الميزانية المشتركة. وفي الدول الاسكندنافية. ثم الحديث عن "لقاءات التوافق" (سنة 1980). وبفرنسا تم تشجيع مبدأ التشاور والاستشارة (قانون 1976). والتدبير الترابي بناء على قانون بوش غدو Bouchardeau 1883. حيث تمت دمقرطة إجراء "التقصي العمومي". وحماية البيئة. حيث اعتمد قانون بارنيي Barnier 1995.

ويمكن الحديث كذلك عن قانون ديمقراطية القرب سنة 2002 بفرنسا الذي اعتمد عموما على مجالس الأحياء( ).

ومن خلال جردنا للتاريخ السياسي المغربي نجد بأن هناك تكاملية بين السياسي والمدني وتشاركية تامة من أجل طرد المستعمر وتحرير البلاد. وحتى بعد الاستقلال تم التنسيق بين الطرفين – الذي هو في العمق طرف واحد – من أجل البناء الديمقراطي. لكن الصراع على السلطة أخر المشاريع التنموية العميقة والاستراتيجية.

وطالما تم التنظير لعلاقة الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني( ). ومن تتبع الخطابات الملكية نراها تركز على هذه التشاركية باعتبار أن البناء الديمقراطي هم جماعي. نستحضر ما يلي : تفعيل دور المجتمع المدني( ) "وكلنا مسؤولون فرادى وجماعات وسلطات وهيآت أحزابا وجمعيات عن البناء الجماعي لمجتمعنا"( ). وتركيزه عن "المواطنة الفاعلة والصادقة"( ) و"ترسيخ قيم المواطنة المسؤولة"( ) و"بناء ثقافة المواطنة الإيجابية( ). والهدف هو بلوغ "المجتمع التضامني الذي يكفل الكرامة والمواطنة المسؤولة"( ).

وقد ركز تقرير الخمسينية (الذي صدر بعد 50 سنة من الاستقلال) على التعاون بين الهيآت الدستورية والسياسية والنقابية والجمعوية من أجل بلورة المشاريع التنموية لاستكمال المواطنة الكريمة ... داعيا إلى ضرورة تضافر الجهود بين الدولة وبين سائر الفاعلين : قطاعا خاصا ومجتمعا مدنيا ...

وقد ضمن الخطابات الملكية كذلك الإشارة إلى قضايا وردت في الدستور اليوم نحو : الديمقراطية التشاركية – المجتمع المدني الفاعل – تعزيز ديناميته – بناء المواطنة التضامنية .. وتضافر الجهود مع الفعاليات الانتخابية والجهوية( ).

أما خطاب 9 مارس 2011 الذي اعتبره الكثيرون خطابا تاريخيا فقد ركز الملك على : المساهمة البناءة للهيآت الحزبية والنقابية والجمعوية ... داعيا إلى تعديل دستوري شامل يستند على سبعة مرتكزات أساسية. ذكر في الشق الخامس على تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين بتقوية دور الأحزاب الأساسية في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني ...

وعلى مستوى البرنامج الحكومي لـ 2012 تم إحداث قطاع وزاري جديد في إطار الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. وتسطير التشاركية كآلية من آليات تنزيل المقتضيات الدستورية. والتركيز على التشاركية والتعاقدية في جميع المجالات.

لقد بدأ الجميع يشعر بهذه الأهمية، وفي هذا الإطار نظم الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب لقاءا دراسيا( ) والذي ركز على : إرساء ديمقراطية تشاركية – دور العمل الجمعوي – الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة والمجتمع المدني – التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.

وبدأت ثقافة التشاركية تخرج من مرحلة القيم العامة إلى مستوى المأسسة. وفي هذا الإطار نظم البرلمان يوما دراسيا( ) حول العلاقة الواجب تنظيمها بين البرلمان والمجتمع المدني، تحت شعار : البرلمان والمجتمع المدني : أية علاقة ؟ والذي جعل من أهدافه ما يلي :

1- جعل منظمات المجتمع المدني ملمة بالعمل البرلماني.
2- جعل البرلمان ملما بالعمل الجمعوي.
3- جعل قاعدة معطيات متعلقة بالمجتمع المدني لدى البرلمان.
4- وجود شبكة متخصصة في التشريع من المجتمع المدني.

وتفيد التجارب الدولية بأن العرائض تقدم غالبا للسلطات العمومية والهيآت المنتخبة. أما عندما يتعلق بملتمسات التشريع فغالبا ما تحال على البرلمان، لذلك من الضروري أن تعزز العلاقة بين البرلمان والمجتمع المدني ... لذلك ناقش الحاضرون بهذا اليوم الدراسي قضايا متعددة تصب في هذا المجال والتي أوجزها فيما يلي : - سبل تعزيز الثقة – تشجيع المشاركة المدنية وتعزيز المسؤولية الاجتماعية وتفعيل المساءلة – تقوية النقاش العام حول القضايا العامة – دمقرطة ومأسسة العلاقات وشرعنتها -.

إن العلاقة بين المجتمع المدني والبرلمان من صميم الديمقراطية لأن الشعب هو مصدر السلطات ويحق له التواصل مع ممثليه خاصة وقد أصبحوا شركاء في رسم السياسات العمومية، وتقديم العرائض وملتمسات التشريع. مما يساعد على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ...

ومن شروط نجاح هذه العلاقة اتساع حركة المجتمع المدني واستقلاليته تمويلا وتفاعلا. وتغطية وسائل الإعلام لهذه العلاقة وإحداث المصالحة مع السياسة، والمشاركة في المراقبة والتشريع ...

ومن الآليات الواجب توفرها اللجان والملتقيات، ودراسة مواضيع مشتركة، والتواصل مع الجامعة، ووضع هيآت متخصصة بتطوير هذه العلاقة، وتكثيف العلاقة مع المؤسسات الدولية ذات الصلة.

لقد تشكلت قناعة بأنه لا تخطيطا استراتيجيا للتنمية المجالية دون تشاركية( ).

المطلب الثالث : القواعد التأسيسية

الفقرة الأولى : خصائص عامة

لقد حاولت أن أبسط فرشا فكريا وسياسيا وواقعيا يبرز أهمية التكاملية بين الديمقراطية التمثيلية والتشاركية كقاعدة ابستمولوجية للمبادرة الشعبية.

وقد انتقل الاجتهاد الدستوري والسياسي من التنظير الفكري إلى الممارسة التشريعية والسؤال المطروح : ما هي القواعد المؤسسة لهذا الاختيار الشعبي خاصة على المستوى الدستوري ؟

من أهم معالم هذا الاختيار التشاركي : اعتماد الحق في تقديم العرائض لدى السلطات المنتخبة، والسلطات العمومية. وهذا ما نص عليه الدستور البلجيكي من فصوله 28 و57 والدستور الدانماركي في فصله 54 وأكده دستور ألمانيا في فصله 17 وكذا 45( ).

واعتمد البرلمان الأوربي الحق في تقديم الملتمسات( ) وركز الدستور الفرنسي على حق تقديم العرائض، والتشاور الواسع مع المواطنين( ). وتبنى الدستور اليوناني نفس الاختيار في مادته 69( ). وهذا ما ذهبت إليه إسبانيا في دستورها انطلاقا من الفصل 61( ).

وتاريخيا ومع الثورة الفرنسية 1789 تمت الإشارة إلى الحق في تقديم العرائض، ونفس الأمر بالنسبة للميثاق الأعظم 145 البريطاني( ).

وقد عم هذا الحق مجموعة من الدول نستحضر الفصل 58 من دستور (بوركينا فاسو) والفصل 30( ). وأكدت الدولة الإيطالية في الفصل 138 من الدستور على المبادرة الشعبية بناء على شروط( ). وركز دستور الجمهورية البولونية على حق المشاركة، وتنويع الأنشطة، وحرية تأسيس الهيآت المدنية( ).

ونفس المنحى تبنته الفدرالية الروسية، عندما ضمن الدستور حرية الأنشطة الجهوية والانتماء إلى الجمعيات( ). كما أكد دستور "بلغاريا" على توسيع دائرة العمل الجمعوي، والدفاع عن مصالحه بالطرق المشروعة( ).

وخص الدستور الإيطالي وظيفة التشريع للحكومة والبرلمان والهيآت والمؤسسات بناء على المقتضيات السائدة( ).

إن دسترة الديمقراطية التشاركية بالمغرب مؤشر على إحداث التوازن والتنظيم وكذا إحداث الحكامة. وترتكز على القرب من المواطنات والمواطنين، والمبادرة التشريعية والعريضة الشعبية من آلياتها( ).

وأكدت اللجنة الأوربية على أن المبادرة الشعبية خاصة التشريعية حق من الحقوق التي تهدف إلى الصالح العام. وعنوان الممارسة الديمقراطية للمواطنين وهي مدسترة عالميا ...

وقد مثلت لذلك بمجموعة من الدول التي وسعت دائرة التشريع من حيث الواضعون نحو: ادربيجان في الفصل 96 من الدستور، والفيدرالية الروسية كما ذكرنا سالفا، ودولة هنكاريا في الفصل 280، ودولة ليتوانيا، وبولونيا في المادة 118 من الدستور، وألبانيا في الفصل 81، وإيطاليا في الفصل 71، وإسبانيا في الفصل 83، وسلوفينيا، ويوغسلافيا، وألبانيا، وجورجيا، وأوكرانيا واليونان، وفرنسا، وسنفصل في هذا أثناء الحديث على الشروط والكيفيات( ).

ونصت المواد 160 الفقرة 1 والفصل 107 على المبادرة الشعبية، واعتبرتها حاجة سياسية، لأنها تحدث التوازن، وإن لم تكن مثبتة، سنكون مضطرين إلى تعديل دستوري من أجل تعزيز هذا الحق الشعبي( ).

ونظرا لما ذكرناه، فإن احترام مقتضيات الدستور من الأسس التي يجب أن تراعى أثناء تقديم المبادرات الشعبية. وأعطى الدستور السويسري بعدا سياسيا للكونتونات Les contons حتى يتسنى للجميع تقديم ملتمسات التشريع. وبدأوا يتحدثون عن "الاستفتاءات الدستورية" وميزوا بين الفيدرالي والجهات( ).

من خلال هذا المطلب نستنتج أن المبادرة الشعبية تشريعية كانت أم غير ذلك أصبحت تقليدا دستوريا لأنها تدعم التشاركية والسؤال الجوهري : ماذا عن التجربة المغربية ؟

الفقرة الثانية : التأسيس المغربي

لقد عرف المغرب تاريخيا مفهوم المذكرة والعرائض وغيرها من المصطلحات لكن الجديد اليوم، هو أن المبادرة الشعبية تشريعيا أو رقابيا أو مطلبيا أصبحت مدسترة في الدستور الجديد الذي صودق عليه( ).

إن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية. ومن الثوابت الجامعة الاختيار الديمقراطي (ف 1).

وتؤسس الجمعيات وتمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون. وتساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية. وكذا في تفعيلها وتقييمها. (ف 12) وتعمل السلطات العمومية على إحداث هيآت للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها (ف13). وللمواطنات والمواطنين، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع (ف 14)، والحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. ويحقق قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق (ف 15).

وتختص المحكمة الدستورية بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون، أثير أثناء النظر في قضية. وذلك إذا دفع أحد الأطراف بأن القانون، الذي سيطبق في النزاع، يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور (ف 133).

ويرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة (ف 136).

وتضع مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها .. كما يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله (ف 139).
ويتحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :

- الحق في تقديم ملتمسات التشريع.
- الحق في تقديم القرارات.
- شروط تقديم العرائض.

كما نص دستور 2011 المغربي على مجموعة من مؤسسات وهيآت حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية( ).
ولن تتأسس هذه المؤسسات إلا عن طريق التشاركية التي تحدثنا عنها.

رغم ذلك يمكن اعتبار المقتضيات الدستورية إعلانا على دخول المغرب إلى نادي "الديمقراطية التشاركية" على مستوى الدسترة. وأصبحت لصيقة بالديمقراطية التمثيلية. وهذا مؤشر على وجود إرادة في الانتقال من مرحلة الكائن العادي داخل المجتمع إلى المواطن الذي يخضع لمنطق الحقوق  والواجبات

السبت، 13 يناير 2018

النظم الدستورية الكبرى ، الفرق بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني


الفرق بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني
النظام البرلماني:
النظام البرلماني هو نوع من انواع الحكومات النيابية ويقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسؤولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية ومسؤولية الوزراء اما أن تكون مسؤولية فردية أو مسؤولية جماعية بالنسبة لأعمالهم.
يؤخذ بهذا النظام في الدول الجمهورية أو الملكية لأن رئيس الدولة في النظام البرلماني لا يمارس اختصاصاته بنفسه بل بواسطة وزرائه.
ومع أن السلطة التشريعية لها وظيفة التشريع فإن للسلطة التنفيذية الحق في اقتراح القوانين والاشتراك في مناقشتها أمام البرلمان كذلك فيما يتعلق بوضع السياسات العامة من حق السلطة التنفيذية لكنها تمتلك الحق في نقاش السياسات وابداء الرأي فيها كما تمتلك السلطة التشريعية الحق في مراقبة اعمال السلطة التنفيذية والتصديق على ما تعقده من اتفاقيات.

لذلك فمعظم العلاقة بين السلطتين مبنية على التوازن والتعاون أما ما يتعلق برئيس الدولة في النظام البرلماني فقد اختلف الفقهاء حول دوره في النظام البرلماني ويكون معظم دوره سلبياً ويكون مركزه مركز شرفي ومن ثم ليس له ان يتدخل في شؤون الادارة الفعلية للحكم وكل ما يملكه في هذا الخصوص هو مجرد توجيه النصح والارشاد الى سلطات الدولة لذلك قيل ان رئيس الدولة في هذا النظام لا يملك من السلطة الا جانبها الاسمي اما الجانب الفعلي فيها فيكون للوزراء.
لذلك فرئيس الدولة يترك للوزراء الادارة الفعلية في شؤون الحكم وهو لا يملك وحده حرية التصرف في أمر من الأمور الهامة في الشؤون العامة أو حتى المساس بها وهذا هو المتبع في بريطانيا وهي موطن النظام البرلماني حتى صار من المبادئ المقررة ان (الملك يسود ولا يحكم).
فالنظام البرلماني المولود في بريطانيا انتقل الى القارة الاوروبية في القرن التاسع عشر ارسيت قواعده في فرنسا بين عامي (1814-1840م) أي تحت الملكية واعتمدته بلجيكا عام (1831م) وهولندا في نهاية القرن التاسع عشر وكذلك النرويج والدنمارك والسويد بين عامي (1900م-1914م) وكانت فرنسا في عام 1875م الدولة الاولى في العالم التي ارست جمهورية برلمانية.
أي أن الوظيفة الفخرية لرئيس الدولة والمجردة من السلطات الفعلية ساعدت في الإبقاء على ظاهر ملكي لنظام هو في الحقيقة نظام ديمقراطي، وبعد حرب 1914م انتشر النظام البرلماني في دول أوروبا الوسطى والجديدة التي انشاتها معاهدة فرساي.
ويختلف الفقهاء حول الاختصاصات لرئيس الدولة، وذلك لتكليف البرلمان الاختصاصات الرئيسية للوزراء، ونستدل على بعض الآراء لهذه المهام في النظام البرلماني.
الوزارة هي السلطة الفعلية في النظام البرلماني والمسؤولة عن شؤون الحكم أما رئيس الدولة فانه غير مسؤول سياسياً بوجه عام فلا يحق له مباشرة السلطة الفعلية في الحكم طبقاً لقاعدة (حيث تكون المسؤولية تكون السلطة) وفي رأي اخر ان اشراك رئيس الدولة- ملكاً أو رئيساً للجمهورية- مع الوزارة في إدارة شؤون السلطة لا يتعارض مع النظام البرلماني بشرط وجود وزارة تتحمل مسؤولية تدخله في شؤون الحكم.
لذلك نرى من خلال الجانب العملي فإن الوزارة في النظام البرلماني هي المحور الرئيسي الفعال في ميدان السلطة التنفيذية حيث تتولى العبء الاساسي في هذا الميدان وتتحمل المسؤولية دون سلب رئيس الدولة حق ممارسة بعض الاختصاصات التي قررتها أو تقررها بعض الدساتير البرلمانية في الميدان التشريعي أو التنفيذي ولكن شريطة أن يتم ذلك بواسطة وزارته الامر الذي يوجب توقيع الوزراء المعنيين الى جانب رئيس الدولة على كافة القرارات المتصلة بشؤون الحكم الى جانب صلاحية حضور رئيس الدولة اثناء اجتماعات مجلس الوزراء ولكن بشرط عدم احتساب صوته ضمن الاصوات.
لذلك يفرق الوضع الدستوري في بعض الدول بين مجلس الوزراء والمجلس الوزاري حيث يسمى المجلس بمجلس الوزراء اذا ما انعقد برئاسة رئيس الدولة ويسمى بالمجلس الوزاري اذا ما انعقد برئاسة رئيس الوزراء.
ورئيس الدولة هو الذي يعين رئيس الوزراء والوزراء ويقيلهم ولكن حقه مقيد بضرورة اختيارهم من حزب الأغلبية في البرلمان- ولو لم يكن رئيس الدولة راضياً- فالبرلمان هو الذي يمنح الثقة للحكومة وتختلف الحكومات في النظام البرلماني بقوة اعضائها والاحزاب المشتركة في الائتلاف حيث تسود الثنائية الحزبية عند وجود التكتلات المتوازنة في البرلمان.
وفي النظام البرلماني رئيس الدولة هو الذي يدعو لإجراء الانتخابات النيابية وتأتي بعد حل المجلس النيابي قبل انتهاء فترته أو عند انتهاء الفترة القانونية الى جانب أن بعض الدساتير تمنح لرئيس الدولة الحق في التعيين في المجلس النيابي أومجلس الشورى أو حل البرلمان.

النظام الرئاسي:

إن مبدأ الفصل بين السلطات قد اتخذ المعيار لتمييز صور الأنظمة السياسية الديمقراطية النيابية المعاصرة ويتضح النظام الرئاسي في شدته وتطبيقه بأقصى حد ممكن في دستور الولايات المتحدة الامريكية من حيث حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والفصل الشديد بين السلطات فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة الامريكية حيث جاء فيها (تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الامريكية) وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد ولا يجوز بعدها تجديد هذه الولاية بأية صورة من الصور.
لذلك يصبح رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل لانه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي كما هو كائن في النظام البرلماني او في النظام النصف رئاسي ولا توجد قرارات تخرج عن ارادة غير ارادته مثل ذلك عندما دعا الرئيس الامريكي (لنكولن) مساعديه (الوزراء) الى اجتماع وكان عددهم سبعة اشخاص حيث اجتمعوا على رأي مخالف لرأيه فما كان منه إلا ان رد عليهم بقوله المشهور (سبعة «لا» واحد «نعم» ونعم هي التي تغلب) لذلك نرى ان رئيس الدولة الامريكية هو صاحب السلطة الفعلية والقانونية للسلطة التنفيذية على المستوى الوطني والمستوى الدولي. فعلى المستوى الوطني يناط بالرئيس حماية الدستور وتطبيق القوانين واقتراح مشروعات القوانين ودعوة الكونجرس الى عقد دورات استثنائية وتوجيه رسائل شفوية للكونجرس وتعيين كبار القضاة وتعيين المساعدين (الوزراء) وكبار الموظفين. اما على المستوى الدولي فرئيس الدولة هو المسؤول بصورة اساسية عن علاقات الولايات المتحدة الامريكية بالدول الاجنبية وهو الذي يعين السفراء والقناصل وهو الذي يستقبل السفراء الاجانب ويجري الاتصالات الرسمية بحكوماتهم ولذلك قيل بان رئيس الولايات المتحدة الامريكية هو الدبلوماسي الاول. لذلك اصبح من المهم جداً في الانظمة الجمهورية التقيد دستورياً في النظام الرئاسي ان يتولى الشعب انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام سواء كان مباشراً او غير مباشر ومن هنا تأتي مكانة وقوة رئيس الدولة الذي يتساوى فيها مع البرلمان شرعيته الديمقراطية والشعبية.
ولكن وبالرغم من القاعدة الشعبية التي تستند اليها مشروعية اختيار رئيس الدولة إلا ان نجاحه في مهامه وصلاحياته يتوقف على حكمته وكياسته في القيادة بل وقدرته على كسب المؤيدين في الكونجرس فهو يعتمد بشكل كبير على انصاره حزبياً في البرلمان والسعي الى تكوين اغلبية برلمانية تدعمه في سياساته وقراراته.
الانظمة النصف رئاسية
ان النظام الذي ارساه الاصلاح الدستوري في فرنسا في عام 1961م باقرار انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشامل دون الغاء الاطار البرلماني وانظمة برلمانية اخرى مارست او تمارس هذا الشكل من الانتخاب الرئاسي مثل المانيا والنمسا عبر هذه التجارب يبرز نموذج متميز من العلاقات بين الحكومة والبرلمان يمكن تسميتها بالنصف رئاسي ويحدد الكاتب (موريس دوزجيه) هذا المفهوم للنظام النصف رئاسي (يبدو ان النظام النصف رئاسي اقرب الى النظام البرلماني منه الى النظام الرئاسي) وبالفعل فأننا نجد في هذا النظام العناصر الجوهرية للبرلمانية السلطة التنفيذية منقسمة بين رئيس دولة ووزارة يرأسها رئيس حكومة الوزارة هي مسؤولة سياسياً امام البرلمان اي ان هذا الاخير يسوغ له ان يرغم -عبر التصويت على حجب الثقة- رئيس الحكومة على الاستقالة مع مجموع وزارته وللسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان مما يزيد من نفوذها على الاخير. الفارق الاساسي يتعلق باختيار رئيس الدولة فعوضاً عن ان يكون منتخباً من قبل البرلمانيين او عدد قليل من الوجهاء يكون هو رئيساً منتخباً بالاقتراع الشامل كما في الولايات المتحدة الامريكية انها حالة فرنسا والنمسا هذا ما كانت عليه الحالة في جمهورية ويمار وتعرف فنلندا منظومة مختلفة بعض الشيء اقرب الى البرلمانية ينتخب فيها رئيس الجمهورية باقتراع غير مباشر من ناخبين رئاسيين معينين خصوصاً لهذا الهدف من قبل المواطنين لكن هؤلاء الناخبين هم منتخبون بالتمثيل النسبي ويجتمعون في جمعية الانتخاب الرئيس مما يجعل منهم وسطاء حقيقيين.
نظرية النظام النصف رئاسي
سبعة بلدان في الغرب عاشت تجربة دستور تنص احكامه على انتخاب رئيس بالاقتراع الشامل ومنحه صلاحيات خاصة كما في النظام الرئاسي وعلى رئيس الحكومة ان يقود حكومة يمكن للنواب عزلها كما في النظام البرلماني في هذه البلدان لم يستمر ويثبت هذا النظام طويلاً في المانيا وويمار ازاحها الاعصار الهتلري في البرلمان طبق فيها منذ ثمانية عشر شهراً بعد نصف قرن من الدكتاتورية في امكنة اخرى عمل بهذا النظام دون اهتزازات منذ عشرين عاماً في فرنسا وثلاثين عاماً في فنلندا.
الصلاحيات الدستورية للرئيس في الدساتير السبعة نصف رئاسية منها في فرنسا فرئيس الدولة هو منظم اكثر منه حاكم يمكنه اعادة القوانين امام البرلمان لدراستها من جديد ويمكنه حل الجمعية الوطنية وحتى اللجوء الى الاستفتاء ويمكنه ان يختار رئيس الوزراء الذي يبدو أنه قادر على الحصول على دعم الأغلبية البرلمانية لكنه لا يشارك بنفسه في التشريع والحكم الا في حالتين عبر تعيين كبار الموظفين وفي حالة الظروف الاستثنائية.
وفي ايرلندا سلطات الرئيس من الضعف بحيث نتردد في وصفه بالمنظم فلا يمكنه أن يقرر وحده دون موافقة رئيس الوزراء إلا عندما يطلب من المحكمة العليا التحقق من دستورية قانون صوت عليه البرلمان أو عندما يدعو أحد المجلسين أو كليهما للانعقاد في جلسة غير اعتيادية أو لتوجيه رسالة للنواب واعضاء مجلس الشيوخ ويملك صلاحية الإعاقة لرفض الحل الذي يطالبه به رئيس الوزراء واللجوء الى استفتاء تطلبه اغلبية مجلس الشيوخ وثلث مجلس النواب وهذه السلطات لا تعطي نفوذاً سياسياً لكنها تتجاوز وضعيته كرئيس دولة رمزي بحت.
غير أن النظام الفرنسي يبقى برلمانياً فرئيس الوزراء والوزراء يشكلون وزارة مسؤولة أمام البرلمان الذي يستطيع ارغامها على الاستقالة بحجب الثقة عنها ولا تستطيع الحكومة أن تحكم اذا لم تحصل على أغلبية أصوات الجمعية الوطنية إن أهمية الأغلبية الديجولية منذ عام 1962م اخفت هذه المشكلة واذا ما غابت من جديد هذه الأغلبية التي ميزت الجمهوريتين السابقتين فسوف يعمل النظام نصف الرئاسي على نحو مختلف جداً عنه اليوم. يتميز النظام السياسي الفرنسي بالميزة الثانية وهي ميزة الاغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية ومنظمة في الجمعية الوطنية منذ عام 1962م ايضاً ميزة التطابق بين التوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لرئيس الدولة الذي يقيم وحده وثيقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية والميزة الأخرى أن الرئيس هو زعيم الأغلبية ورئيس الوزراء نفسه الأركان للرئيس.
إن أعجب ما في هذه الميزات يتعلق بتحول منظومة الأحزاب حتى عام 1955م عرفت احزباً متعددة ضعيفة قليلة التنظيم تتجمع ضمن تحالفات هشة ومؤقتة وبصورة عامة موجهة نحو الوسط ومنذ عام 1962م تجمعت الاحزاب ضمن تحالفين كبيرين منظمين أحدهما يميني والآخر يساري وهذا يسمى (ثنائية الأقطاب) وهذا ما يشكل جوهر الأغلبية البرلمانية.

الأنظمة الدستورية المقارنة

أشكال و أنواع الأنظمة السياسية :
الأنظمة السياسية تنقسم لعدد من الأشكال أو الأنواع وفق الفصل بين السلطات، وذلك وفق أسس فكرية لمبدأ الفصل هذا، ولذا نجم عن بعض التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات، ولكن التقسيم المشار إليه سابقا يأخذ منحنى آخر عند النظر إليه من وجه ممارسة السيادة، وذلك الحال بالنسبة لمصدر الانتخابات، عزز المقارنات السابقة بالنظريات التقليدية في تصنيف النظم السياسية؟
*تقسيم الأنظمة السياسية وفق فكرة الفصل بين السلطات
لم يكن في القديم جدوى من الأخذ بفكرة الفصل بين السلطات، لأن المجتمع السياسي كان صغيرا وحاجاته محدودة حيث أن رئيس العشيرة والمدينة الصغيرة يحل ويفصل في كل الأمور المتعلقة بشؤون رعيته بمساعدة بعض أقربائه وأعوانه، ولكن مع توسع المجتمع السياسي عدداً وتعقد الحياة الاجتماعية أدت إلى أن تتولى عدة هيئات ممارسة واجبات ووظائف لتسير الأمور المتعلقة بالمجتمع السياسي، فالسلطة واحدة ولكن ممارساتها تعدد بوجود عدة هيئات تفصل وتحدد نوعية العلاقات والواجبات بين أفراد المجتمع الواحد.
ولاحظ بعض المفكرين أن تحديد عمل السلطة السياسية في المجتمع يتم من خلال ثلاث وظائف يتم مزاولتها من قبل عدة هيئات أو من قبل هيئة واحدة حسب ما وصل إليه المجتمع من تنظيم وتقسيم للعمل:
أ‌. الوظيفة التنفيذية:هي الجهة التي تتولى مراقبة مدى تطبيق الأوامر والقواعد والقوانين المتعلقة بالمجتمع السياسي.
ب‌. الوظيفة التشريعية:هي التي تتيح للسلطة تكوين وإيجاد قواعد الحق الموضوعي إذ أن قواعد القانون هي حكم قاعدة لمتابعة سلوك الأفراد في المجتمع لضمان المصلحة العامة التي يتوخاها النظام السياسي عن طريق الاستقرار والتعامل والمعاملات بين أفراد المجتمع ضمن الدولة.
ت‌. الوظيفة القضائية:فإن عمل القضاء ينصب في تفسير روح القانون وتطبيق النصوص القانونية في حالات المنازعات الحاصلة بين الأفراد والهيئات الرسمية في المجتمع السياسي رغم من وجود علاقة وطيدة بين الوظيفة التنفيذية والقضائية.
• الأسس الفكرية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن المبادئ الديمقراطية الليبرالية عند ظهورها دعت للحد من السلطة الفردية للملوك، وتأمين حقوق وحريات الأفراد، هذا مما دعا بعض المفكرين إلى صياغة النظريات الفكرية الداعية لضرورة تقسيم السلطات إلى أقسام للحد من كل تداخل السلطات فيما بينها، ولضمان عدم تعسف السلطة على حساب حريات وحقوق الأفراد، ولكن يطرح سؤال كيف يتم منع تعسف كل سلطة على حده؟
بطبيعة الحال الفرد أو الهيئة الواحدة عندما تمتلك جميع أجزاء السلطة فإنها تستطيع وضع القوانين بنفسها، ومن ثم تنفيذ وتفسير ما تراه مناسباً وفق مصلحتها دون رقيب أو مانع من توقيفها، وهذه الحالة كانت موجودة في عهد الملوك الأوربيين ذوي الحكم المطلق أثناء القرن السابع والثامن عشر، مما دعى المفكرين من أمثال لوك ومنتسكيو وروسو إلى الدعوة لإقامة نظام تقوم دعائمه على فكرة الفصل بين السلطات، وتتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية : التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها, وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم، ويؤكد ذلك رجال الثورة الفرنسية قالوا أن الدولة التي لا تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات تفقد أساسها الدستوري، فأول دستور وضع بعد الثورة الفرنسية في 3 كانون الأول 1972م، يكرس بصورة مطلقة وجود ثلاث سلطات منفصلة ومستقلة الواحدة عن الأخرى، ونص دستور ولاية ماسوشوسيت 1780 على أن لا تمارس الهيئة التشريعية مطلقاً سلطات الهيئتين التنفيذية والقضائية أو إحداها، وأكد منشور الفدراليين في الولايات المتحدة الأمريكية على إقامة الفصل بين السلطات لمنع التعسف المطلق، المؤدي إلى إساءة استعمال كل سلطة على حدة.
أ‌. عند أرسطو و جون لوك:
ارتبط مبدأ الفصل بين السلطات باسم الفقيه الفرنسي مونتسكيو الذي كان له الفضل في إبرازه كمبدأ أساسي لتنظيم العلاقة بين السلطات العامة في الدولة،و منع الاستبداد بالسلطة.
وإذا كان فضل مونتسكيو في ذلك لا ينكر، إلا أن جذور المبدأ ترجع إلى زمن بعيد قبل القرن الثامن عشر بقرون عديدة، فقد كان لأعلام الفكر السياسي الإغريقي كأفلاطون وأرسطو، دور هام في وضع الأساس الذي قام عليه مبدأ الفصل بين السلطات، إذا أوضح أفلاطون أن وظائف الدولة يجب أن تتوزع على هيئات مختلفة مع إقامة التوازن بينها لكي لا تتفرد إحداهما بالحكم، وما قد يؤدي إله ذلك من و وقوع الاضطرابات و الثورات للتمرد على هذا الاستبداد.
أما أرسطو فقسم وظائف الدولة إلى ثلاث، وظيفة المداولة و الأمر و العدالة، على أن تتولى كل وظيفة منها مستقلة عن الهيئات الأخرى، مع قيام التعاون بينهما جميعا لتحقيق الصالح العام، بحيث لا تتركز الوظائف في يد هيئة واحدة.
و كان جون لوك أول من أبرز أهمية مبدأ الفصل بين السلطات في العصر الحديث في مؤلفه "الحكومة المدنية" الذي صدر سنة 1690 بعد الثورة الجليلة ل 1688 في إنجلترا التي أدت إلى إعلان وثيقة الحقوق سنة 1689 .
و قسم جون لوك سلطات الدولة إلى ثلاث:السلطة التشريعية، و السلطة التنفيذية، و السلطة الاتحادية، و أكد على ضرورة الفصل بين السلطتين التشريعية و التنفيذية، بحيث تتولى كل منها هيئة مستقلة عن الأخرى.
و برر لوك هذا الفصل على أساس طبيعة عمل السلطة التنفيذية بحيث يتطلب وجودها بصفة دائمة، في حين أن الحاجة ليست دائمة إلى وجود السلطة التشريعية من ناحية، كما أن الجمع بينهما في هيئة واحدة سيؤدي حتما إلى الاستبداد و التحكم من ناحية أخرى.
والذي يمكن ملاحظته على أفكار لوك هو أنه لم يعر أهمية للقضاء ولم يتحدث عن استقلاله والسبب في ذلك هو أن القضاة حتى الثورة كانوا يعينون و يعزلون من الملك أما بعد الثورة فكانوا يعينون بواسطة البرلمان لكنهم لم يحصلوا على استقلال في وظائفهم.
و ما يؤخذ على أفكاره هو أنه لم يقدم لنا إلا صورة لما كان سائدا في انجلترا و أنه أيضا لم يقدم لنا سوى تمييزا بين الوظائف.
ب) عند مونتسكيو:
إن مبدأ الفصل بين السلطات لم يأخذ الأهمية الكبيرة التي نالها إلا بعد أن نشر مونتسكيو مؤلفه الشهير "روح القوانين" سنة 1748.
لمعالجة المبدأ ينطلق مونتسكيو من الفكرة التي تقضي بتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث: تشريعية، تنفيذية و قضائية. لكن الفكرة الأساسية التي عالجها في كتابه هي أن قد يسيء استعمال السلطة التي يتمتع به أو حتى لا يساء استعمالها يجب بمقتضى الأمور إقامة توازن بين السلطات من غير أن يكون باستطاعة إحداها شل أعمال الأخرى عندما تمارس عملا له علاقة بأعمال أخرى.
و قد أحسن مونتسكيو بأهمية هذا التعاون، فقال داعيا إلى تنظيم الإجراءات الضرورية لإقامته بين السلطات التي يتوجب عليها إقامة التعاون يتم عن طريق منح كل عضو سلطة faculté d empêcher و سلطة الردع faculté de statuer الحكم أي وسائل العمل التي من شأنها أن تمنع تنفيذ القرارات الخاطئة الصادرة عن السلطة الأخرى للوصول إلى إقامة التوازن و التعاون بين السلطات.
ومن هنا يمكننا القول أن نظرية مونتسكيو تضمنت النقاط التالية:
أ- قسم السلطات العامة في الدولة إلى ثلاث، التشريعية، التنفيذية و القضائية و بين المهام الأساسية التي تضطلع بها كل سلطة.
ب- أكد على توزيع السلطات و فصلها بهذه الصورة أمر ضروري لأنها لو تجمعت في يد هيئة واحدة لأدى إلى الاستبداد.
ج- لم يتوقف مونتسكيو عند حد الفصل فقط و إنما استلزم قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر حتى لا تتجاوزها إلى الاعتداء على السلطات الأخرى.
تقسيمات الأنظمة السياسية حسب ممارسة السيادة
فالسيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو في القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة و توجد ثلاث نماذج على وجود التصويت كمعيار تعتمد عليه النظم لتيسير شئونها:
1- نظام الحكم السياسي المباشر – الديمقراطية المباشرة .
2- النظام التمثيلي – الديمقراطية النيابية .
3- النظام شبه المباشر – الديمقراطية شبه المباشرة.
و توجد كذلك أنواع أخرى من الأنظمة السياسية التي تعتمد أصلا في نشوئها أو ممارستها على الانتخابات و التي يفترض قيامها لأسباب مختلفة و من هذه الأنظمة:
1- النظام الفردي : ترتكز السلطة بيد الفرد سواء ملكا أو رئيسا.
2- نظام حكم القلة : نظام وسطي بين حكم الفرد و الجماعة.
3- النظام الثوري و الانقلابي : هذا النظام يحصل على السلطة من خلال الانقلاب و الثورة .
4- النظام المختلط: يتكون من هيئتين هيئة سياسية منتخبة و هيئة سياسية غير منتخبة يعملان جنبا إلى جنب.
خصائص هذه الأنظمة:
1- عدم الاعتماد في اتخاذ الانتخابات أساسا لممارسة هذه النظم لسيادتها وقتية أو دائمة.
2- اقترنت أكثر هذه الأنظمة بظهور السلطة المتسلطة و الفردية كنتيجة للظروف الخاصة للمجتمع.
* التطبيقات العملية لمبدأ الفصل بين السلطات:
إن تفسير مبدأ الفصل بين السلطات أدى إلى نشأة نظامين متوازنين ومختلفين النظام الأول مستوحى من الفصل المطلق بين السلطات وهو النظام الرئاسي، والنظام الثاني هو تطبيق الفصل المرن بين السلطات وهو النظام البرلماني، وسنعرض لكل من هذين النظامين وخصائصهما وأهم تطبيقاتهما في العالم المعاصر ونظام حكومة الجمعية أو النظام المجلسي.
أ. النظام الرئاسي
تأثر واضعو الدستور الأمريكي 1787 بكتابات لوك ومونتسكيو، وكان تفسيرهم لمبدأ الفصل بين السلطات على أنه يعني الفصل المطلق بين السلطات وعلى ذلك أرسى الدستور الأمريكي مبدأين : مبدأ الاستقلال العضوي لكل سلطة، ومبدأ التخصص الوظيفي.
ويقصد بالاستقلال العضوي أن تكون كل سلطة من سلطات الدولة الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، مستقلة عن السلطتين الأخريين، وخاصة في مجال التكوين والحل. فرئيس الولايات المتحدة ينتخب بواسطة الشعب ولا يمكن مساءلته أمام البرلمان. والكونجرس يتم اختيار أعضائه من الشعب ولا يملك الرئيس الأمريكي حل البرلمان.
أما التخصص الوظيفي فيقصد به أن تختص كل سلطة من السلطات الثلاث بوظيفة معينة بذاتها. فلا يجوز لأي سلطة أن تجاوز وظيفتها إلى غيرها مما يدخل في اختصاص سلطة أخرى.
إن الاستقلال العضوي والتخصص الوظيفي لا يعني عدم التعاون في أداء الوظائف، فكل سلطة تتعاون مع الأخرى في أداء الوظيفة المعهود بها إليها وقد نما هذا التعاون مستقلاً عن النصوص القليلة الموجودة في دستور سنة 1787، والتي لم تشتمل إلا على عناصر ضئيلة متعلقة بالتعاون الوظيفي.
خصائص النظام الرئاسي:
1. وحدة السلطة التنفيذية: يعهد بالسلطة التنفيذية إلى شخص واحد هو الرئيس الأمريكي الذي يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ويساعد الرئيس عدة من السكرتيرين، وهم يقابلون الوزراء في النظام البرلماني، إلا أنهم لا يملكون سلطة في إصدار القرارات. ويستمد الرئيس سلطاته من كونه منتخباً من الشعب في مجموعه، ونتيجة لذلك فهو يتمتع بمركز قوي. وهو مستقل عن الكونجرس الذي لا سلطة له في اختياره، كما أنه لا يملك مساءلته سياسياً.
2- يعين الرئيس السكرتيرين ويعزلهم، كما أن السكرتيرين لا يكونون مجلس وزراء مستقل عن الرئيس. ومن ناحية أخرى ليس للسكرتيرين حق أن يكونوا أعضاء بالكونجرس؛ إذ لا يجوز الجمع بين سكرتارية الوزراء وعضوية البرلمان أي الكونجرس بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
3- للرئيس أن يقترح قانوناً وخاصة في رسالته السنوية التي يوجهها إلى الكونجرس، والتي تعتبر بمثابة برنامج تشريعي للسنة التالية، ولكن البرلمان يستطيع أن يرفض اقتراح الرئيس حتى لو تعلق الأمر بالميزانية، ولا يملك الرئيس وسيلة لإجبار الكونجرس على الموافقة على اقتراحاته.
4- لا يملك الكونجرس أن يحرك مسئولية الرئيس السياسية أو مسئولية أي من الوزراء أي السكرتيرين. وفي مقابل ذلك لا يملك الرئيس حل الكونجرس.
5- تتخصص كل سلطة في الوظيفة المعهود بها إليها: فالسلطة التنفيذية يتولاها الرئيس. وكل المهام التشريعية يتولاها الكونجرس، أي أن التخصص الوظيفي هو المبدأ العام. هذا مع مراعاة أن هناك استثناءات على هذا المبدأ وهذه الاستثناءات بعضها تجد مصدرها في الدستور نفسه مثل حق الفيتو الممنوح للرئيس في مواجهة القوانين التي وافق عليها الكونجرس وحق مجلس الشيوخ في الاعتراض على تعيين كبار الموظفين الفيدراليين. وهناك استثناءات نبعت من التطبيق العملي مثل حق الرئيس في اقتراح التشريعات عن طريق رسائل يبعث بها إلى الكونجرس.
ب. النظام البرلماني:
يقوم النظام البرلماني على أساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ويوجد بالنظام البرلماني رئيس دولة وإلى جانبه رئيس للوزارة: رئيس الدولة يسود ولا يحكم أما رئيس الوزارة فيتولى مسئولية الحكم. ويتكون البرلمان عادة من مجلسين.
وتتميز العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بالتعاون والرقابة المتبادلة مما يجعل النظام متسماً بالتوازن. ويبدو التعاون في إمكان مساهمة السلطة التنفيذية في عملية التشريع. إذ بينما يحظر على الرئيس الأمريكي اقتراح القوانين، يجوز للحكومة في ظل النظام البرلماني أن تقدم مشروعات قوانين البرلمان، بل إن أكثر من 90% من التشريعات في النظم البرلمانية ذات أصل حكومي.
أما الرقابة المتبادلة فتظهر في حق الحكومة في حل البرلمان، وإمكان مساءلة الحكومة أمام البرلمان عن طريق السؤال والاستجواب وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها.
ويوجد في العالم اليوم عديد من الدول التي تتبنى النظام البرلماني أهمها: في أوربا: بريطانيا وجمهورية ألمانيا الاتحادية والنمسا وإيطاليا ولوكسمبورج وأيرلندا وبلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وإيسكلندا والدانمارك. وفي آسيا: اليابان والهند. وفي أستراليا: أستراليا ونيوزلندة وفي أمريكا الشمالية كندا.
خصائص النظام البرلماني:
1. ثنائية السلطة التنفيذية: من خصائص النظام البرلماني ثنائية السلطة التنفيذية، إذ يوجد رئيس دولة، سواء أكان ملكاً أم رئيس جمهورية، يسود ولا يحكم وإلى جواره يوجد رئيس وزراء يتولى مسئولية الحكم ويكون مسئولاً أمام البرلمان.
2. مسئولية الوزارة: تسأل الوزارة أمام البرلمان مسئولية جماعية تضامنية ومسئولية فردية. وتعتبر المسئولية التضامنية عن السياسة العامة للحكومة هي أهم ما يميز النظام البرلماني.
3. البرلمان مكون من مجلسين غالباً: ففي إنجلترا يوجد مجلس اللوردات ومجلس العموم وكذلك الحال في أغلب الدول البرلمانية المعاصرة التي أوردنا تعداداً لها فيما سبق. غير أن وجود مجلسين بالبرلمان ليس أمراً ضرورياً لكي يعتبر النظام برلمانياً.
4. التوازن النظري بين السلطات: وهذا التوازن هو نتيجة المساواة بين السلطتين، كما أنه نتيجة لتبادل المعلومات وللتعاون ولتبادل الرقابة والتأثير. فالسلطة التنفيذية لا تتدخل في اختيار أعضاء البرلمان أو في تنظيمه الداخلي ولكن للسلطة التنفيذية حق دعوة البرلمان للانعقاد وحق فض دورات انعقاده. ومن ناحية أخرى للبرلمان مساءلة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة بالحكومة وسحب الثقة منها. وفي مقابل ذلك لرئيس الوزراء أو لرئيس الدولة حسب الأحوال حق حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
هذه هي المعالم الرئيسية للنظام البرلماني الذي ازدهر في القرن التاسع عشر وكان موضع إعجاب الكثير من الكتاب الأوربيين التقليديين الذين لا يزالون يحلمون بعودة هذا النظام باعتباره نظاماً متوازناً.
غير أن هذا التوازن النظري بين السلطة لم يكن مطبقاً من الناحية العملية بشكل جامد ويمكن من الناحية التاريخية أن نقول أن البرلمانية مرت بمراحل ثلاث:
مرحلة البرلمانية المزدوجة المتوازنة ثم مرحلة البرلمانية التي يغلب فيها البرلمان مصحوباً بمسئولية الحكومة أمامه وأخيراً المرحلة المعاصرة وهي البرلمانية التي تسود الآن في إنجلترا ولا يمكن أن تثور في ظلها مسئولية الوزارة أمام البرلمان بسبب تكوين الحكومة الإنجليزية ودور الحزبيين السياسيين في إنجلترا.
1. أما عن البرلمانية المزدوجة المتوازنة فهي تلك التي سادت في ظل الملكيات غير المطلقة كان الحكم مقسماً بين قطبين سياسيين هامين هما رئيس الدولة والبرلمان، وكان التوازن هو السمة الغالبة على العلاقة بين هذين القطبين وهذه هي البرلمانية التي سادت في إنجلترا قبل حكم الملكة فيكتوريا وفي ظل ملكية يوليوز في فرنسا.
2. وأما عن البرلمانية المطبوعة بالمسئولية الوزارية فهي تلك التي تحددت معالمها بعد الحرب العالمية الأولى وفي ظل هذه البرلمانية كانت السلطة مركزة في يد البرلمان الذي كان يلعب أهم دور في الحياة السياسية وهذا الدور يكتسب أهمية من أن الحكومة كانت نابعة من البرلمان. فالأغلبية البرلمانية هي التي تكون تشكيل الحكومة ومن هنا كانت الحكومة مجرد لجنة منبثقة عن البرلمان.
ولا يمكن أن تستمر الحكومة في تولي مهام السلطة التنفيذية إلا إذا كانت محل رضاء البرلمان لأنها مسئولة أمامه. أي أن المسئولية الوزارية أمام البرلمان كانت هي المعيار الكافي للحكم على النظام بأنه برلماني وإذا ما فقدت الحكومة ثقة البرلمان فإنها من الناحية القانونية تكون مرغمة على تقديم استقالتها.
3- البرلمانية المعاصرة: في وقتنا الحاضر تعدت البرلمانية هاتين المرحلتين. والمثال الواضح على ذلك هو النظام الإنجليزي، فلم تعد المسئولية الوزارية أو التوازن بين السلطات هي معيار الحكم على النظام بأنه برلماني. ذلك أن نظام الحزبين في إنجلترا غير الوضع فالحكومة الإنجليزية هي لجنة مكونة من حزب الأغلبية داخل مجلس العموم البريطاني. ولذا فإن الحزب الحاكم يسيطر على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يجعل هاتين السلطتين هيئة واحدة من الناحية العضوية كما أن المسئولية الوزارية أمام مجلس العموم لا تنعقد من الناحية العملية، لأن الحزب الحاكم لن يخاطر بسحب الثقة من الحكومة حتى لا يضر بمصالح الحزب، والآن حل محل هذه المسئولية أمام البرلمان أن يحتكم رئيس الوزراء إلى الشعب بحل البرلمان في وقت مبكر وإجراء انتخابات جديدة بحيث تصبح مساءلة الحكومة مباشرة أمام هيئة الناخبين لا أمام البرلمان.
وإذا كانت النظم البرلمانية تختلف في كثير من معالمها فإن المعيار أو الجامع بينها من الناحية القانونية هو مسئولية الوزراء السياسية أمام البرلمان فيما عدا هذا العنصر المشترك بين النظم البرلمانية هناك عدة نظم برلمانية تبعاً لعدد الأحزاب السائدة في الدولة.
فإذا كان هناك حزبان سياسيان يسيطران على الحياة السياسية كما هو الحال في إنجلترا أو حزب واحد مسيطر كما هو الحال في الهند فإن الحكومة تقوم بممارسة مهمة الحكم والقيادة وهي تتمتع بقدر من الثبات ولا تكون عرضة للتهديد من جانب البرلمان الذي يتحول إلى مجلس لتسجيل الأحداث والمناقشات، أما إذا كانت هناك عدة أحزاب ليس من بينها حزب حائز على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان فإن الحكومة ستتكون من ائتلاف بين عناصر غير متناسقة وغير ثابتة، ويرجع عدم الثبات إلى كثرة مساءلة الوزارة من جانب البرلمان وسحب الثقة منها، وهنا يبدو على العكس من الصورة السابقة أن البرلمان هو الجهاز المسيطر على الحياة السياسية. والمثال على هذا نظام الجمهورية الرابعة في فرنسا.
ج- النظام المجلسي : حكومة الجمعية
يقوم هذا النظام على تركيز السلطتين التشريعية و التنفيذية استنادا إلى فكرة وحدة السيادة في الدولة.
و يمكن حصر خصائص هذا النظام في ناحيتين :
1- تبعية الهيئة التنفيذية للسلطة التشريعية :باعتبار هذه الأخيرة ممثلة الشعب، و نظرا لصعوبة مباشرتها مهام السلطة التنفيذية بنفسها فإنها تختار لجنة تنفيذية من بين أعضائها، لهذا الغرض و بالتالي فإن الهيئة التنفيذية تكون خاضعة للجمعية النيابية تعمل تحت إشرافها ورقابتها و هي مسؤولة أمامها.
2- عدم تأثير الهيئة التنفيذية على السلطة التشريعية :مادامت الهيئة التنفيذية بنفسها تابعة للسلطة التشريعية فإنها لا تملك نحوها أية حقوق كحق حل البرلمان أو دعوته للانعقاد أو تأجيل اجتماعه.
و في الوقت الحالي يمكن القول أن نظام حكومة الجمعية له تطبيق وحيد في الديمقراطيات الغربية هو النظام السياسي في سويسرا.
النظام السياسي في سويسرا
سويسرا : دولة اتحادية مكوّنة من 7 مقاطعات و 30 نصف مقاطعة، و تقرر هذا الإتحاد بصفة رسمية 1848، بعد انتهاء الحرب الأهلية التي دامت سنتين تغلب فيها الأنصار الذين كرّسوا أفكارهم في دستور 1848، و تعتمد سويسرا مبدأ الحياد الدّائم.
و تتميّز سويسرا بأنها تطبق الديمقراطية شبه المباشرة، بشكل واسع مع تطبيق بقايا الديمقراطية المباشرة في 3 مقاطعات صغيرة. و في المجال السياسي تأخذ بنظام حكومة الجمعية الاتحادية (الفدرالية)، و المجلس الاتحادي أو الفدرالي.
1- الجمعية الاتحادية : (الفدرالية): البرلمان:
تتكوّن من مجلسين هما :
أ- المجلس الوطني :
يمثل شعب الإتحاد على أساس نائب واحد لكل 25 ألف مواطن، و ينتخب هذا المجلس لمدة 4 سنوات وفقا لنظام التمثيل النسبي و يبلغ عدد أعضائه 200 نائبا.
أ‌- مجلس المقاطعات أو الولايات أو الدويلات :
يمثل هذا المجلس المقاطعات بمعدل نائبين لكل مقاطعة و نائب واحد لكل نصف مقاطعات و هذا بغض النظر عن الكثافة السكانية.
- اختصاصات الجمعية العامة:
يتولّى بالإضافة إلى سن القوانين المهام الآتية :
1- انتخاب المجلس الفدرالي
2- انتخاب رئيس الإتحاد.
3- تعيين أعضاء المحكمة الفدرالية.
4- تعيين قائد الجيش.
5- حل الخلافات المتعلقة باختصاصات السلطات الاتحادية.
2- المجلس الاتحادي : الفدرالي
يتولى هذا المجلس مهام السلطة التنفيذية و هو يتألف من 7 أعضاء تنتخبهم الجمعية الاتحادية بالأغلبية المطلقة لمدة 4 سنوات كما تنتخب من بينهم رئيسا للإتحاد لمدة سنة فقط غير قابلة للتجديد مباشرة يقوم رئيس المجلس الاتحادي بوظيفة رئيس الدولة إلاّ أن سلطاته شرفية فقط فهو لا يتميّز عن بقية أعضاء المجلس الفدرالي.
- صلاحيات المجلس الاتحادي:
أ. يمارس هذا المجلس السلطة الحكومية بصفة جماعية و لا يستطيع الاجتماع إلاّ بحضور 4 من أعضائه و يتولّى كل عضو وزارة من الوزارات.
ب. بإمكان المجلس تقديم مشاريع قوانين و كذلك تقديم تقارير بناءا على طلب من الجمعية الاتحادية.
ج. نشير إلى أن الجمعية الاتحادية لها الحق في توجيه الأسئلة و الاستجواب إلى أعضاء المجلس الاتحادي و في حالة سحب الثقة منه فإنه لا يقدم استقالته و لكن هو ملزم بأن يعدّل سياسته طبقا لرغبة الجمعية الاتحادية.
التقسيم من جهة ممارسة السيادة:
السيادة هي قدرة استعمال السلطة المادية في الإقناع أو القهر داخل المجتمع السياسي لتنظيم شئونه المختلفة، ويندرج تحت هذا النوع أنظمة عديدة من الحكومات التي عرفت قديما وحديثا على شكل ملكية كانت أم جمهورية ذات مضمون ليبرالي أو كلي، بشكل مؤقت أو دائم، فتوجد أربع نماذج رئيسية حيث مصدر سلطتها غير الانتخابات وهي:
نظام الحكم الفردي: يقصد به تركيز السلطة أو السيادة في هذا النظام بيد الفرد ملكاً كان أو رئيس جمهورية مكرس سلطته في وثيقة أم لا، فالسيادة تعود للفرد الواحد يمارسها حسب مشيئته، وهذا النوع من النظام عرف سابقا حيث أن سلطة الملك مستمدة من فكرة الحق الإلهي أو التفويض الإلهي، عرف عن لويس الرابع عشر بأن الدولة تعود له "الدولة هي أنا".
النظام الثوري أو الانقلابي: ويقصد به سلطته تسمد من خلال الثورة أو الانقلاب فلا تعتمد على الانتخابات في ممارسة السلطة.
نظام حكم الأقلية: هذا وسط بين حكم الفرد وحكم الجماعة تقوم فئة قليله ممارسة السلطة عن الآخرين في حصرها بين يديها، لتمشية أمور المجتمع وحكم الأقلية سابق على حكم الديمقراطي.
النظام المختلط: هو تعايش هيئات سياسية منتخبة بجانب هيئات غير منتخبة، فوجود ملك غير منتخب ومجلس برلماني منتخب كما وجد في انجلترا وفي أغلبية أنظمة الحكم الملكية في العالم، فالبرلمان بمجلسين منتخب وآخر غير منتخب.
خصائص هذه النماذج من الأنظمة السياسية هي:
عدم الاعتماد على اتخاذ الانتخابات أساسا لممارسة هذه النظم للسيادة.
اعتمادها على الفردية والتسلط وممارسة السلطة مرتبطة بظروف خاصة في المجتمع الذي يعيش فيه.
* تقسيم الأنظمة السياسية مصدرها الانتخابات:
تنقسم إلى أنواع وهي:
أولاً: الانتخاب غير المباشر
اقتران هذا النوع من الانتخاب غير المباشر بالنظم المرجعية، حيث تلجا بعض الدساتير إلى هذه الوسيلة في اختيار الحكام بحيث تجعل سلطة الاختيار الحقيقي في يد فئة خاصة يسهل التأثير عليها. والانتخاب غير المباشر هو الانتخاب الذي يجري على درجتين أو ثلاث درجات، حيث يقتصر دور الناخبين على اختيار مندوبين عنهم يتولون مهمة اختيار أعضاء البرلمان والحكام، ويرى جانب من الفقه الأمريكي أن هذه القلة المختارة تملك المعلومات الكافية عن المرشحين بما يمكنه من اختيار الصالح والأصلح، وقيل إنه يمتاز بأنه يقلل من ضرر الاقتراع العام وذلك لأن المواطن العادي كثيراً ما يجهل كفاءة المرشحين أما الانتخاب غير المباشر فأنه يجعل الانتخاب بيد فئة مختارة تعد كفاءة المرشحين(1).
تقييم نظام الانتخاب غير المباشر
بصفة عامة فإن الفقه الدستوري يرى في الانتخاب غير المباشر وسيلة غير ديمقراطية لاختيار الحكام (2)، ربما لأنها تحمل بعض الشك في ملكات الشعب ووعيه السياسي أو لأن الانتخاب غير المباشر يقترن غالباً بالاقتراع المقيد، إذ يشترط القانون في الناخب المندوب شرط النصاب المالي أو الكفاءة أو الانتماء الأسري، هذا إضافة إلى أن الانتخاب غير المباشر يفسح المجال أمام الحكومة للتلاعب بنتائج الانتخابات، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت سنة 2000 أهملت اللجنة المشرفة على الانتخابات في ولاية فلوريدا مئات الآلاف من أصوات الناخبين بحجة عدم وضوحها الأمر الذي رجح كفة الرئيس جورج بوش الابن على خصمه الديمقراطي آل جور
ثانياً : الانتخاب المباشر
قيل بأنه أقرب إلى الديمقراطية لأن الشعب يتولى بنفسه اختيار حكامه ومندوبين عنه في المجالس، والانتخاب المباشر هو النظام الذي يقصد به قيام الناخب باختيار النائب بصورة مباشرة دون وساطة ناخبين ثانويين، ويطلق على هذه الطريقة في الانتخاب، الانتخاب على درجة واحدة
تقييم نظام الانتخاب المباشر
الملاحظ أن غالبية النظم الانتخابية اتجهت في الوقت الحاضر إلى جعل الانتخاب على درجة واحدة، للمزايا التي يتمتع بها، إذ يبيح لغالبية الأفراد انتخاب الحكام بأنفسهم وهذا يزيد من اهتمام الشعب بالأمور العامة ويشعره بمسئوليته ويرفع مداركه، والنظام الانتخابي المباشر أكثر ديمقراطية من الانتخاب غير المباشر وأقل كلفة منه، كما أنه يجعل الناخب على صلة مباشرة بالنائب، مما يدفع الأخير إلى السعي إلى تمثيل النائب تمثيلاً حقيقياً في المجلس النيابي رغبة في اختياره لدورة نيابية ثانية، ومثل هذه الصلة غالباً ما تضعف في النظم التي تأخذ بالانتخاب غير المباشر.
ثالثا: الانتخاب الفردي
في الانتخاب الفردي، تقسم الدولة إلى عدد من الدوائر الانتخابية، مساو لعدد النواب الذين يتألف منهم المجلس، ولكل دائرة انتخابية نائب واحد ينتخبه سكانها، وليس للناخبين التصويت لأكثر من مرشح واحد، ونظام الانتخاب الفردي هو الذي أخذ به قانون الانتخابات اليمني، حيث قسمت البلاد إلى دوائر انتخابية متساوية من حيث التعدد السكاني ويمثل كل دوائره نائب واحد في مجلس النواب ويختار الناخبون المرشح عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر
تقييم نظام الانتخاب الفردي
أثار موضوع الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة وما زال يثير الكثير من النقاش ، بالرغم من مضي مدة طويلة على ظهور هذا النظام ، نظراً لما ينطوي عليه من إيجابيات وسلبيات. فقد أشار أنصار نظام الانتخاب الفردي إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها: أنه يحقق هذا النظام توازناً كبيراً بين المصالح المختلفة، على خلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي غالباً ما يفسح المجال أمام أحد الأحزاب للاستحواذ على كافة المقاعد النيابية.
كما يتسم هذا النظام بالبساطة، إذ يختار الناخب نائباً واحداً في دائرته الانتخابية الصغيرة مما يمكنه من اختيار أكفأ المرشحين، بخلاف نظام الانتخاب بالقائمة الذي يشتت الناخب بين عدة مرشحين لا يكون في الغالب على معرفة كافية بهم. كما يمنح هذا النظام الناخب المزيد من الحرية والاستقلالية في اختيار النائب، إذ يقلل من هيمنة الأحزاب السياسية على إرادة الناخبين، في حين يخضع غالباً نظام الانتخاب بالقائمة الناخب لسيطرة الأحزاب السياسية ويحد من حريته في الاختيار بين المرشحين.
ويسمح نظام الانتخاب الفردي للنائب بالإطلاع على احتياجات دائرته الانتخابية ويمكنه من معرفة المشاكل التي تعاني منها بحكم كونه من سكانها غالباً. ويحقق هذا النظام المساواة بين الدوائر الانتخابية كونه يقسم الدولة إلى دوائر صغيرة لكل دائرة ناخب واحد.
الانتقادات الموجهة للانتخاب الفردي
يجعل الاختيار قائما على أساس المفاضلة بين الأشخاص لا بين المبادئ والأفكار. كما يجعل المرشح أسير الدائرة الانتخابية ويركز عنايته لخدمة مصالحها ويغفل مصالح البلاد.
رابعا: الانتخاب بالقائمة
الانتخاب بالقائمة هو: تقسيم الدولة إلى عدد قليل من الدوائر الانتخابية الكبيرة الحجم، ويمثل الدائرة الواحدة عدد من النواب يجري انتخابهم في قائمة تثبت فيها أسماء المرشحين وبالعدد الذي يحدده القانون. ويثير الانتخاب بالقائمة التساؤل بشأن حرية الناخب في تكوين قائمته الانتخابية، فهل يلزم بالتصويت على القائمـة كما طرحها الحزب السياسي، أم للناخب المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة وإنشاء قائمته الانتخابية الخاصة؟ للإجابة على هذا التساؤل نشير إلى أن الدول انقسمت في ذلك بين ثلاثة أنظمة .
النظام الأول: نظام القائمة المغلقة وفي هذا النظام يلزم الناخب بالتصويت على إحدى القوائم الحزبية، دون أن يكون له الحق في إجراء أي تعديل عليها، سواءً بالإضافة أو الحذف أو بإعادة ترتيب الأسماء.
النظام الثاني: نظام المزج بين القوائم وفي هذا النظام يكون للناخب الحرية في تكوين قائمته الانتخابية، عن طريق المزج بين الأسماء الواردة في قوائم الانتخابات المختلفة.
النظام الثالث: نظام إعادة ترتيب القوائم ووفقاً لهذا النظام للناخب إعادة ترتيب أسماء المرشحين الذين تضمهم القائمة التي اختارها، دون أن يكون له المزج بين الأسماء الواردة في القوائم المختلفة
مسوغات الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة
خلافاً لما ذهب إليه أنصار نظام الانتخاب الفردي ، أشار أنصار نظام الانتخاب بالقائمة إلى أن هذا النظام يتسم بعدة مزايا منها: أنه يحرر النائب من سيطرة الناخب ولا يدع مجالاً لتحكم العلاقات الشخصية، مما يجعل الاختيار قائماً على أساس كفاءة النائب وما يمكن أن يقدمه لناخبيه. ويزيل هذا النظام بالانتخابات عن كل ما من شأنه المساس بنزاهتها واستقلاليتها كالضغط على الناخبين أو إغوائهم أو التغرير بهم، على خلاف الحال في نظام الانتخاب الفردي الذي يفسح المجال واسعاً أمام الرشوة الانتخابية ويسهل على رجال الإدارة التدخل في الانتخابات ونتائجها. وإن نظام الانتخاب بالقائمة يوسع من الخيارات المتاحة أمام الناخب في اختيار النواب بحكم تعددهم، خلافاً لنظام الانتخاب الفردي الذي يضيق من هذه الخيارات إذ لا يجد الناخب في الكثير من الأحيان بداً من التصويت لنائب معين بحكم العلاقات الشخصية أو الانتماء الأسري أو الإقليمي. كما أن نظام الانتخاب بالقائمة يجعل المفاضلة بين نائب وآخر تقوم على أسس موضوعية مردها الموازنة بين المبادئ والأفكار المختلفة لا بين الأفراد كما في الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة.
وبعد استعراضنا للحجج التي ساقها دعاة نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة ، تبين لنا أن كل نظام تسجل له إيجابيات وعليه سلبيات ولا يمكن من حيث الواقع تفضيل أحد الأنظمة على الآخر ، فقد ينجح النظام في دولة معينة ويفشل في أخرى، إذ يتوقف الأمر على وعي الناخبين ونضجهم السياسي وعراقة تجربة الدولة الانتخابية وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
خامسا: نظام الأغلبية
بموجب هذا النظام يعد فائزاً في الانتخابات المرشح أو المرشحون الذين حصلوا على أكبر عدد من الأصوات في الدائرة الانتخابية، ويمكن تطبيق هذا النظام في حالة التصويت الفردي والتصويت على القائمة أي انتخاب عدة نواب في منطقة واحدة.
فإذا كان الانتخاب فردياً فاز المرشح الذي حصل على أكثر الأصوات، أما إذا كان التصويت على قائمة، كانت القائمة فائزة بجميع مقاعد الدائرة الانتخابية متى حصلت على أكثرية الأصوات.
تقدير نظام الأغلبية
يذهب غالبية الفقه الدستوري إلى أن هناك تلازماً حتمياً بين نظام الأغلبية ونظام الثنائية الحزبية، لأن هذا النظام يؤدي في المدى الطويل على الأقل إلى التقليل من عدد الأحزاب، فيندمج بعضها في بعض حتى ينتهي الأمر إلى وجود حزبين كبيرين يتبادلان الأغلبية البرلمانية على امتداد السنين، وخير مثال على ذلك النموذج الأمريكي والبريطاني، حيث يأخذ كل منهما بنظام الحزبين الكبيرين، ونظام الأغلبية في الانتخابات، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن نظام الأغلبية لا يمكن العمل به في ظل نظام التعددية الحزبية، فقد أخذ به قانون الانتخاب الألماني الصادر في 15 يونيو 1945 ، كما أخذ به المشرع الأردني في كافة قوانين انتخاب مجلس النواب، وفي قانون الانتخابات اليمني يعتبر فائزا في الانتخابات المرشح الذي يحوز على أكثر الأصوات عدداً.
مميزات نظام الأغلبية
الواقع أن أهم ما يتميز به هذا النظام هو: البساطة والوضوح والقدرة على تكوين أغلبية برلمانية متماسكة، مما يؤدي في النهاية إلى استقرار الحكومات. ويجعل هذا النظام الناخب على معرفة بجميع المرشحين المتنافسين في الانتخابات، الأمر الذي من شأنه تقليص تأثير الأحزاب السياسية على آراء واتجاهات الناخبين.
عيوب نظام الأغلبية
إن ما يسجل على هذا النظام ، أنه قد يتنافى مع الديمقراطية الحقة، كما أن نتائجه قد لا تتسم بالعدالة كونه يضع القوة السياسية في يد الطبقة التي تظفر بها، ويترتب على ذلك إهمال ما عداها من الطبقات التي قد يكون بعضها ذات أهمية كبيرة مما يجعل المجلس النيابي المنتخب بعيداً عن أن يكون ممثلاً لجميع طبقات الأمة، وما لم تمثل الأقلية في المجلس فإن الحكومة لا تكون حكومة ديمقراطية قائمة على مبدأ المساواة، بل تكون حكومة طبقة ممتازة تفرض سلطاتها على كل من يخالفها في الرأي.
سادسا: نظام التمثيل النسبي
يقصد بنظام التمثيل النسبي منح كل حزب أو اتجاه عدد من المقاعد النيابية يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها.
ولم يتم تبني هذا النظام إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على إثر تعالي الأصوات المنادية بالعدول عن نظام الأغلبية، كونه لا يمثل اتجاهات الرأي العام تمثيلاً حقيقياً في البرلمان، كما أنه يحابي الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة، وقيل بحق إن نظام التمثيل النسبي وحده هو الذي يسمح بتوزيع المقاعد البرلمانية بين الأغلبية والأقلية.
وانقسم رأي الفقه بشأن إمكانية تطبيق هذا النظام في ظل نظام الانتخاب الفردي إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول : يرى أن هذا النظام لا يمكن تطبيقه إلا مع نظام الانتخاب بالقائمة لأنه بحكم طبيعته يتطلب عدة مقاعد توزع بنسبة معينة، كما أن نظام القائمة يفترض تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة
الاتجاه الثاني : يذهب الاتجاه الثاني إلى أن نظام التمثيل النسبي يمكن تطبيقه في ظل نظام الانتخاب الفردي ونظام الانتخاب بالقائمة، وهو ما يجري عليه العمل في جمهورية أيرلندا منذ نشأتها وفي أستراليا في انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ منذ سنة 1949.
مزايا نظام التمثيل النسبي
إن أهم ما يتميز به هذا النظام أنه: يسمح بتمثيل كافة اتجاهات الرأي العام والأحزاب السياسية في البرلمان، وقيل إن هذا النظام أكثر عدالة من نظام الأغلبية، كونه يضمن لكل حزب عدداً من المقاعد في المجلس النيابي يتناسب وعدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات. ويؤمن هذا النظام المحافظة على الأحزاب السياسية وينميها، وفي ذلك ترسيخ لمفهوم التنافس السياسي المشروع ويجنب البلاد الأزمات الناشئة عن التنظيمات السياسية غير المشروعة كالمنظمات والأحزاب السرية. بل يشجع الناخـب علـى الإدلاء بصوته ولمن يشاء من الأحزاب السياسية، فالناخب قد يعرض عن المشاركة في الانتخابات حينما يرى أن الأحزاب المشاركة في الانتخابات لا تمثل رأيه، أو حينما يخشى إهدار صوته لكونه يدلي به لحزب ليست له إلا شعبية محدودة .
عيوب نظام التمثيل النسبي
الكثير من الدول أعرضت عنه نظراً للسلبيات التي تسجل عليه ومنها: أنه قد يجعل الناخب غير قادر على الاختيار بين عدد كبير من المرشحين. ويشجع الأحزاب السياسية على التعدد إلى أقصى حد، فكل جماعة مهما قل عددها تستطيع أن تكون حزباً، فهي لن تهدر صوتاً هنا أو هناك ليكون لها في النهاية مقعداً تحصل عليه في المرحلة الثانية إن لم تستطع الحصول عليه في المرحلة الأولى . وهذا النظام يشتت مقاعد البرلمان بين عدة أحزاب وهو أمر غير مرغوب فيه كونه لا يهيئ السبيل لأي حزب للحصول على الأغلبية المطلقة في المجلس النيابي الأمر الذي يعقد مهمة تشكيل الوزارة، والمعلوم أن تشكيل الوزارة من أكثر من حزب واحد يعني عدم الانسجام السياسي، بل إن ريح الخلافات قد تعصف بها بعد فترة قصيرة من تشكيلها، وهذا ما حدث لحكومة 1990 في الجمهورية اليمنية والتي شكلت من ثلاثة أحزاب هي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي . والمأخذ الأكبر المسجل على هذا النظام، أنه يجعل بعض القيادات الحزبية تحتفظ بعضوية دائمة أو طويلة في البرلمان، بغض النظر عن الشعبية التي يتمتع بها الحزب ارتفاعاً وهبوطاً، فأي حزب على درجة من الانتشار لا بد أن يحصل على بعض الأصوات هنا وهناك، ومن تجميع هذه الأصوات سوف يحصل على بعض المقاعد النيابية، وما عليه إلا أن يضع في مقدمة مرشحيه بعض الأسماء التي يكاد أن يكون متأكداً من التصويت لها ودخولها في المجلس النيابي، وهذا الوضع من شأنه خلق بعض النواب غير القابلين للعزل.
النظريات التقليدية في تصنيف النظم السياسية:
اتبع عدد كبير من الكتاب تقسيمات الأنظمة السياسية اعتمادا على نظرية الفصل بين السلطات و حسب منطق فكرة السيادة و رغم مكانة هذه النظريات في التحليل السياسي فبالإمكان اتخاذ نماذج أخرى للتقسيمات المتعلقة بالأنظمة السياسية و على أساس عموميتها و شمولها بصورة أكثر من النظريات التقليدية في تحديد أنواع الأنظمة السياسية في العالم فمن جهة يظهر لنا التحليل السياسي الحديث بعدم انطباق النظريات التقليدية على الممارسات المبدئية للنظم السياسية التقليدية و نعني بذلك بتطور الأحزاب و انتشارها و تأثيرها المباشر على نماذج الحكم التي ممكن أن توجد بإشكال مختلفة و إذا اقترن مفهوم الفصل بين السلطات مع نشوء و تطور الأنظمة الليبرالية فنرى الوقت الحاضر أن هذه الأنظمة نفسها تنزع إلى ممارسة تختلف كثيرا إذا لم نقل كليا عن منظور الفصل بين السلطات التي أريد لها العيش لحفظ الحرية السياسية مع وجود سلطة ملكية عرف عنها أنها مستبدة و حتى إذا حاكينا نظرية الفصل بين السلطات حسب مفهومها فكيف نفسر استمرارية فعالياتها و صحة فرضيتها في حالة تبدل النظام الفردي إلى حكم الشعب فحري بالشعب في هذه الحالة أن يمتلك جميع السلطات و عندئذ يمكن القيام بفصل السلطات التي يمتلكها الشعب و هذا ما نحى إليه الفكر الاشتراكي في رفضه الانتقاد لاتخاذه مبدأ الوحدة و التفويض العمودي للسلطة و الذي يوفق في هذه الحالة بين التحليل النظري و بين الضرورة العملية.
التمثيل البرلماني المزدوج:
عرفت البرلمانات بشكلها الأحادي و بشكلها الثنائي أي عندما تتشكل السلطة التشريعية من مجلسين و حسب التسمية المعطاة لكل منهما فهناك المجلس الأعلى و المجلس الأدنى و مجلس الشيوخ و مجلس النواب( وجود مجلس ثاني يعتبر نتيجة منطقية لتكوين الدولة الاتحادية) و لكن ثنائية المجلسين وجدت في دول بسيطة في بريطانيا و فرنسا ففي بريطانيا يعود أصل وجود الثنائية إلى تمثيل الفرسان ممثلي الريف و البرجوازية ممثلي المدن إلا أن سلطة الروردات تقلصت إلى الحد الذي جعلت من مجلسهم مجرد واجهة أما في فرنسا فان نظام المجلسين قد حافظ على مساواة كل مجلس بالأخر في السلطة و الاختصاصات بحيث يتعين موافقة المجلسين على مشروع أي قانون يعرض أمامهما فبالرغم من موافقة أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية على مشروع قانون يتعلق بالتعليم الرسمي فان موقف مجلس الشيوخ السلبي إزاء مشروع القانون هذا قد أوقف إمكانية الأخذ به لهذا فان وجود مجلسين بصلاحيات واحدة قد يعرقل العملية التشريعية و لهذا فان أنصار المجلس الواحد يؤيدون عدم الأخذ بنظام المجلسين لأنه لا يتفق مع نظرية السيدة الشعبية خاصة إذا كانت شروط اختيار كلا المجلسين تختلف الواحدة عن الأخرى إلا انه يؤخذ على أعضاء المجلس الأدنى تسرعهم لكونهم يمثلون الناخبين الأصغر سنا مما يجعلهم اقل دراية في معرفة الشئون العامة و أن كون الشيوخ معينون من قبل الحكومة مثلا قد يجعلهم أكثر استقلالية في اتخاذ الآراء بعيدا عن تأثيرات الرأي العام بهذا فقد يوصف أعضاء مجلس الشيوخ بأنهم معرقلون لأعمال نواب المجلس النيابي.
و لهذا نجد اتجاه بعض الدول إلى تقليص صلاحيات المجلس الأعلى إلى الدرجة التي لا تجعل منه طرفا معرقلا لمضمون السيادة الشعبية و قد لجأت بريطانيا إلى تقليص صلاحيات مجلس اللوردات أما الدول التي لا تزال تساوي بين المجلسين : ايطاليا و بلجيكا ... و ألمانيا فان للمجلسين القوة ذاتها فيما يتعلق بالقوانين الاتحادية التي من شأنها تقليص سلطات الدول البوندستاغ و قد يمكن الوصول لحل الإشكالات التي تعترض عرقلة احد المجلسين لمشروع ما بان يصار إلى الاستفتاء الشعبي العام و في هذه الحالة يعود إلى الشعب و هو صاحب السيادة الشعبية في تقرير أمر الوقوف إلى جانب احد الفرقين أما إلى جانب مجلس الشيوخ أو إلى جانب مجلس النواب و عندها يرضخ الطرف المعارض نزولا لرغبة الشعب صاحب السيادة..